وَطَمْسُهَا إِخْرَاجُهُمْ مِنْهَا. وَالرَّدُّ عَلَى الْأَدْبَارِ رُجُوعُهُمْ إِلَى الشَّامِ مِنْ حَيْثُ أَتَوْا أَوَّلًا. وَحَسَّنَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ، فَقَالَ: وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالطَّمْسِ الْقَلْبُ وَالتَّغْيِيرُ، كَمَا طَمَسَ أَمْوَالَ الْقِبْطِ فَقَلَبَهَا حِجَارَةً، وبالوجوه رؤوسهم وَوُجَهَاؤُهُمْ أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نُغَيِّرَ أَحْوَالَ وُجَهَائِهِمْ فنسلبهم إقبالهم ووجاهتهم، ونكسوها صِغَارُهُمْ وَأَدْبَارُهُمْ، أَوْ نَرُدُّهُمْ إلى حيث جاؤوا مِنْهُ. وَهِيَ أَذْرِعَاتُ الشَّامِ، يُرِيدُ إِجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ انْتَهَى.
أَوْ نَلْعَنَهُمْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أن نَطْمِسَ. وَظَاهِرُ اللَّعْنَةِ هُوَ الْمُتَعَارَفُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ «١». وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ نَمْسَخُهُمْ كَمَا مَسَخْنَا أَصْحَابَ السَّبْتِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هُمْ أَصْحَابُ أَيْلَةَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ بِالصَّيْدِ، وَكَانَتْ لَعْنَتُهُمْ أَنْ مُسِخُوا خَنَازِيرَ وَقِرْدَةً. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ نَهِيمُهُمْ فِي التِّيهِ حَتَّى يَمُوتَ أَكْثَرُهُمْ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ أَوْ نَلْعَنَ، إِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا. وَلِذَلِكَ
رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ وَيَدُهُ عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْلَمَ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَرَى أَنْ أَصِلَ إِلَيْكَ حَتَّى يُحَوَّلَ وَجْهِي فِي قَفَايَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ إِسْلَامُ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَوَضَعَ كَفَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى إِلَى بَيْتِهِ فَأَسْلَمَ مَكَانَهُ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا أَبْلُغُ بَيْتِي حَتَّى يُطْمَسَ وَجْهِي. وَقِيلَ: الطَّمْسُ الْمَسْخُ لِلْيَهُودِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا بُدَّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَحِلُّ بِهِمْ فِي الْقِيَامَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَنَكَى لَهُمْ لِفَضِيحَتِهِمْ بَيْنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا عُجِّلَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَهَذَا إِذَا حُمِلَ طَمْسُ الْوُجُوهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا إِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ تَغْيِيرُ أَحْوَالِ وُجَهَائِهِمْ أَوْ وُجُوهِ الْهُدَى وَالرُّشْدِ، فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الطَّمْسُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ اللَّعْنُ، فَإِنَّهُمْ مَلْعُونُونَ بِكُلِّ لِسَانٍ. وَتَعْلِيقُ الْإِيمَانِ بِقَبْلِيَّةِ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُقُوعُهُمَا، بَلْ مَتَى وَقَعَ أَحَدُهُمَا صَحَّ التَّعْلِيقُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا. وَقِيلَ:
الْوَعِيدُ مَشْرُوطٌ بِالْإِيمَانِ، وَقَدْ آمَنَ منهم ناس. ومن قبل: متعلق بآمنوا، وعلى أدبارها متعلق بفنردها.
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: عَلَى أَدْبَارِهَا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْوُجُوهِ، وَالضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي نَلْعَنَهُمْ.
قِيلَ: عَائِدٌ عَلَى الْوُجُوهِ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوُجَهَاءُ، أَوْ عَائِدٌ عَلَى أصحاب الوجوه، لأن