تَأْوِيلٍ، يَمْتَنِعُ كَوْنُ: مَنْ، مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: أَكَلْتُ رَغِيفًا وَعَمْرًا، أَيْ: مَعَ عَمْرٍو، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُشَارِكٌ لَكَ فِي أَكْلِ الرَّغِيفِ، وَقَدْ أَجَازَ هَذَا الْوَجْهَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُ حَذْفِ الْمَفْعُولِ مَعَ كَوْنِ الْوَاوِ وَاوَ الْمَعِيَّةِ.
وَأَثْبَتَ يَاءَ: اتَّبَعَنِي، فِي الْوَصْلِ أَبُو عَمْرٍو، وَنَافِعٌ، وَحَذْفَهَا الْبَاقُونَ، وَحَذْفُهَا أَحْسَنُ لِمُوَافَقَةِ خَطِّ الْمُصْحَفِ، وَلِأَنَّهَا رَأْسُ آية كقوله: أكرمن وأهانن، فَتُشْبِهُ قَوَافِيَ الشَّعْرِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَهَلْ يَمْنَعَنِّي ارْتِيَادُ الْبِلَا | دِ مِنْ حَذَرِ الْمَوْتِ أَنْ يَأْتِيَنِ |
تَوْبِيخٌ بِالْبَلَادَةِ وَكَلَّةِ الْقَرِيحَةِ، وَفِي فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «٢» بِالتَّقَاعُدِ عَنِ الِانْتِهَاءِ وَالْحِرْصِ الشَّدِيدِ عَلَى تَعَاطِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَأَكْثَرُهُ مِنْ بَابِ الْخَطَابَةِ.
فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا أَيْ إِنْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُمُ الْهِدَايَةُ، وَعَبَّرَ بصيغة الماضي المصحوب بقد الدَّالَّةِ عَلَى التَّحْقِيقِ مُبَالَغَةً فِي الْإِخْبَارِ بِوُقُوعِ الْهُدَى، وَمِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى النُّورِ. انْتَهَى.
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ أَيْ: هُمْ لَا يَضُرُّونَكَ بِتَوَلِّيهِمْ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْتَ إِلَّا تَنْبِيهُهُمْ بِمَا تُبَلِّغُهُ إِلَيْهِمْ مِنْ طَلَبِ إِسْلَامِهِمْ وَانْتِظَامِهِمْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: إنها آية
(٢- ١) سورة المائدة: ٥/ ٩١.