تَحْرِيمُهُ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ «١» وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَمَعْنَى يُتْلَى عَلَيْكُمْ يُقْرَأُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ،
وَمِنْهُ «كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ».
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: ظَاهِرُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مُجْمَلٌ، وَاسْتِثْنَاءُ الْكَلَامِ الْمُجْمَلِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُفَصَّلِ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مُجْمَلًا، إِلَّا أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ إِلَى قَوْلِهِ: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ «٢» وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ، يَقْتَضِي إِحْلَالَهَا لَهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ. فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَيْتَةً أَوْ مَذْبُوحَةً عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ، أَوْ مُنْخَنِقَةً أَوْ مَوْقُوذَةً أَوْ مُتَرَدِّيَةً أَوْ نَطِيحَةً، أَوِ افْتَرَسَهَا السَّبُعُ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَوْضِعُ مَا نَصْبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَجُوزُ الرفع على الصفة لبهيمة. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَجَازَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْبَدَلِ، وَعَلَى أَنْ تَكُونَ إِلَّا عَاطِفَةً، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ إِلَّا مِنْ نَكِرَةٍ أَوْ مَا قَارَبَهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ نَحْوَ قَوْلِكَ: جَاءَ الرَّجُلُ إِلَّا زَيْدٌ، كَأَنَّكَ قُلْتَ: غَيْرَ زَيْدٍ انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْبَدَلِ لَا يَصِحُّ الْبَتَّةَ، لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ مُوجَبٌ. فَكَمَا لَا يَجُوزُ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدٌ عَلَى الْبَدَلِ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْبَدَلُ فِي: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ. وَأَمَّا كَوْنُ إِلَّا عَاطِفَةً فَهُوَ شَيْءٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَوْلُهُ: وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، ظَاهِرُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى وَجْهَيِ الرَّفْعِ الْبَدَلِ وَالْعَطْفِ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا مِنْ نَكِرَةٍ، هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُبْهَمٌ لَا يُدْرَى مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ. وَكِلَا وَجْهَيِ الرَّفْعِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْهُ، لِأَنَّ الْبَدَلَ مِنَ الْمُوجَبِ لَا يُجِيزُهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ لَا بَصَرِيٌ وَلَا كُوفِيٌّ. وَأَمَّا الْعَطْفُ فَلَا يُجِيزُهُ بَصْرِيٌّ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُجِيزُهُ الْبَصْرِيُّونَ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَا قَبْلَهُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ. وَشَرَطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الْمَنْعُوتِ نَكِرَةٌ، أَوْ مَا قَارَبَهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، فَلَعَلَّ ابْنَ عَطِيَّةَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ وَالنَّعْتُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ. وَلَوْ فَرَضْنَا تَبَعِيَّةَ مَا بَعْدَ إِلَّا لِمَا قَبْلَهَا فِي الْإِعْرَابِ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَدَلِ حَتَّى يُسَوِّغَ ذَلِكَ، لَمْ يُشْتَرَطْ تَنْكِيرُ مَا قَبْلَ إِلَّا وَلَا كَوْنُهُ مُقَارِبًا لِلنَّكِرَةِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، لِأَنَّ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ مِنْهُ يَجُوزُ اخْتِلَافُهُمَا بِالتَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ.
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ قَرَأَ الْجُمْهُورُ غَيْرَ بِالنَّصْبِ. وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ مَنْ وَقَفْنَا عَلَى كَلَامِهِ مِنَ الْمُعْرِبِينَ وَالْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي صَاحِبِ الْحَالِ. فَقَالَ الْأَخْفَشِ: هُوَ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فِي أوفوا. وقال

(١) سورة المائدة: ٥/ ٣.
(٢) سورة المائدة: ٥/ ٣.


الصفحة التالية
Icon