اسْتَهْلَكَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ: مَكْحُولٌ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ فِي قَوْلِ حَمَّادٍ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يَضْمَنُ وَيُغَرَّمُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ أَوْ مُعْسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ قَالَ الْكِسَائِيُّ: انْتَصَبَ جَزَاءً عَلَى الْحَالِ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: جَازَاهُمْ جَزَاءً. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ عَلَى الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ، وَبِمَا مُتَعَلِّقٌ بِجَزَاءً، وَمَا مَوْصُولَةٌ أَيْ: بِالَّذِي كَسَبَاهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أَيْ: جَزَاءً بِكَسْبِهِمَا، وَانْتِصَابُ نَكَالًا عَلَى الْمَصْدَرِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ. وَالْعَذَابُ: النَّكَالُ، وَالنَّكَلُ الْقَيْدُ تَقَدَّمَ الْكَلَامِ فِيهِ فِي قَوْلِهِ: فَجَعَلْناها نَكالًا «١». وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جَزَاءً وَنَكَالًا مَفْعُولٌ لَهُمَا انْتَهَى، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الزَّجَّاجَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ يَعْنِي جَزَاءً. قَالَ: وَكَذَلِكَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ. إِلَّا إِذَا كَانَ الْجَزَاءُ هُوَ النَّكَالُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَا مُتَبَايِنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَفْعُولَيْنِ لَهُمَا إِلَّا بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قِيلَ: الْمَعْنَى عَزِيزٌ فِي شَرْعِ الرَّدْعِ، حَكِيمٌ فِي إِيجَابِ الْقَطْعِ.
وَقِيلَ: عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ مِنَ السَّارِقِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْصِيَةِ، حَكِيمٌ فِي فَرَائِضِهِ وَحُدُودِهِ.
رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْأَعْرَابِ سَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ إِلَى آخِرِهَا وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَقَالَ: مَا هَذَا كَلَامٌ فَصِيحٌ، فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ التِّلَاوَةُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ عَزَّ، فحكم، فقطع.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠)
أَيْ فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ بِالسَّرِقَةِ. وَظُلْمِهِ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ أَيْ: مِنْ بَعْدِ أَنْ ظَلَمَ غَيْرَهُ بِأَخْذِ مَالٍ أَوْ سَرِقَةٍ. قِيلَ: أَوْ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ أَيْ: مِنْ بَعْدِ أَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَفِي جَوَازِ هَذَا الْوَجْهِ نَظَرٌ إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: مِنْ بَعْدِ أَنْ ظَلَمَهُ. وَلَوْ صُرِّحَ بِهَذَا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ فِيهِ تَعَدِّي الْفِعْلِ الرَّافِعِ الضَّمِيرَ الْمُتَّصِلِ إِلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ الْمَنْصُوبِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي بَابِ ظَنَّ، وفقد،

(١) سورة البقرة: ٢/ ٦٦.


الصفحة التالية
Icon