بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ مُعْتَقَدُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَارِحَةَ لَهُ، وَلَا يُشَبَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا يُكَيَّفُ، وَلَا يَتَحَيَّزُ، وَلَا تُحِلُّهُ الْحَوَادِثُ، وَكُلُّ هَذَا مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا اسْتِعَارَةٌ عَنْ جُودِهِ وَإِنْعَامِهِ السَّابِغِ، وَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَى الْيَدَيْنِ جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُنْفِقُ بِكِلْتَا يَدَيْهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
| يَدَاكَ يَدَا مَجْدٍ فَكَفٌّ مُفِيدَةٌ | وَكَفٌّ إِذَا مَا ضُنَّ بِالْمَالِ تُنْفِقُ |
| جَادَ الْحِمَى بَسِطُ الْيَدَيْنِ بِوَابِلٍ | شَكَرَتْ نَدَاهُ تِلَاعُهُ وَوِهَادُهُ |
| وَغَدَاةِ رِيحٍ قَدْ وَزَعْتُ وَقُرَّةٍ | قَدْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا |
وَقِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَدَاهُ نِعْمَتَاهُ، فَقِيلَ: هُمَا مَجَازَانِ عَنْ نِعْمَةِ الدِّينِ وَنِعْمَةِ الدُّنْيَا، أَوْ نِعْمَةِ سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَالْحَوَاسِّ وَنِعْمَةِ الرِّزْقِ وَالْكِفَايَةِ، أَوِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، أَوْ نِعْمَةِ الْمَطَرِ وَنِعْمَةِ النَّبَاتِ، وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُوهِمُ التَّجْسِيمَ كَهَذَا. وَقَوْلُهُ: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ «١» ومِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا «٢» ويَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ «٣» ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي «٤» وتَجْرِي بِأَعْيُنِنا «٥» وهالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ «٦» وَنَحْوُهَا. فَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ أَنَّهَا تُفَسَّرُ عَلَى قَوَانِينِ اللُّغَةِ وَمَجَازِ الِاسْتِعَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفَانِينِ الكلام.
(١) سورة ص: ٣٨/ ٧٥.
(٢) سورة يس: ٣٦/ ٧١.
(٣) سورة الفتح: ٤٨/ ١٠.
(٤) سورة طه: ٢٠/ ٣٩.
(٥) سورة القمر: ٥٤/ ١٤.
(٦) سورة القصص: ٢٨/ ٨٨.
(٢) سورة يس: ٣٦/ ٧١.
(٣) سورة الفتح: ٤٨/ ١٠.
(٤) سورة طه: ٢٠/ ٣٩.
(٥) سورة القمر: ٥٤/ ١٤.
(٦) سورة القصص: ٢٨/ ٨٨.