وَقُهِرُوا، وَلَمْ يَقُمْ لَهُمْ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ، وَقَدْ أَتَاهُمُ الْإِسْلَامُ وَهُمْ فِي مِلْكِ الْمَجُوسِ. وَقِيلَ: خَالَفُوا الْيَهُودَ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِطْرِيقَ الرُّومِيَّ، ثُمَّ أفسدوا فسلط الله عليهم الْمَجُوسَ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِاجْتِهَادِهِمْ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَالْتِهَابِ شُوَاظِ قُلُوبِهِمْ، وَغَلَيَانِ صُدُورِهِمْ. وَمِنْهُ الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ لِلْجِدِّ فِي الْحَرْبِ، وَفُلَانٌ مُسْعِرُ حَرْبٍ يُهَيِّجُهَا بِبَسَالَتِهِ، وَضُرِبَ الْإِطْفَاءُ مَثَلًا لِإِرْغَامِ أُنُوفِهِمْ وَخِذْلَانِهِمْ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ تَبْشِيرٌ لِلرَّسُولِ بِأَنَّهُمْ كُلَّمَا حَارَبُوهُ نُصِرَ عَلَيْهِمْ، وَإِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرِيهِ مِنَ الْيَهُودِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ وَغَيْرُهُمَا: هِيَ إِخْبَارٌ عَنْ أَسْلَافِهِمْ مُنْذُ عُصُورٍ هَدَّ اللَّهُ مُلْكَهُمْ، فَلَا تُرْفَعُ لَهُمْ رَايَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُقَاتِلُونَ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا تَلْقَى الْيَهُودَ بِبَلْدَةٍ إِلَّا وَجَدْتَهُمْ مِنْ أَذَلِّ النَّاسِ.
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّعْيِ نَقْلَ الْأَقْدَامِ أَيْ: لَا يَكْتَفُونَ فِي إِظْهَارِ الْفَسَادِ إِلَّا بِنَقْلِ أَقْدَامِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي الِاجْتِهَادِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْعَمَلُ. وَالْفِعْلُ أَيْ: يَجْتَهِدُونَ، فِي كَيْدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَحْوِ ذِكْرِ الرَّسُولِ مِنْ كُتُبِهِمْ. وَالْأَرْضُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْجِنْسُ، أَوْ أَرْضُ الْحِجَازِ، فَتَكُونُ أَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: فَسَادُهُمْ بِالْمَعَاصِي. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بِدَفْعِ الْإِسْلَامِ وَمَحْوِ ذِكْرِ الرَّسُولِ مِنْ كُتُبِهِمْ. وَقِيلَ: بِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَاسْتِحْلَالِ الْمَحَارِمِ. وَقِيلَ: بِالْكُفْرِ. وَقِيلَ: بِالظُّلْمِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةٌ.
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ظَاهِرُ الْمُفْسِدِينَ الْعُمُومُ، فَيَنْدَرِجُ هَؤُلَاءِ فِيهِمْ. وَقِيلَ: أَلْ لِلْعَهْدِ، وَهُمْ هَؤُلَاءِ. وَانْتِفَاءُ الْمَحَبَّةِ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ لَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَهَؤُلَاءِ يُثِيبُهُمْ. وَإِذَا لَمْ يُثِبْهُمْ فَهُوَ مُعَاقِبُهُمْ، إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْعِقَابِ وَالثَّوَابِ.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
قِيلَ: المر. أَسْلَافُهُمْ، وَدَخَلَ فِيهَا الْمُعَاصِرُونَ بِالْمَعْنَى. وَالْغَرَضُ الْإِخْبَارُ عَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَطْفَأَ اللَّهُ نِيرَانَهُمْ وَأَذَلَّهُمْ بِمَعَاصِيهِمْ، وَالَّذِي يظهر أنهم معاصر وَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي ذَلِكَ تَرْغِيبٌ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ. وَذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَهُمَا: الْإِيمَانُ، وَالتَّقْوَى. وَرَتَّبَ عَلَيْهِمْ شَيْئَيْنِ: قَابَلَ الْإِيمَانَ بِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ إِذِ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَتَرَتَّبَ عَلَى التَّقْوَى وَهِيَ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ الْمَنَاهِي دُخُولُ جَنَّةِ النَّعِيمِ، وَإِضَافَةُ الْجَنَّةِ إِلَى النَّعِيمِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الْعَذَابِ لَوْ لَمْ يُؤْمِنُوا وَيَتَّقُوا. وَقِيلَ: وَاتَّقَوْا أَيِ: الْكُفْرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،


الصفحة التالية
Icon