عِوَضٍ مِنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ يَتَضَمَّنُهَا الْكَلَامُ السَّابِقُ التَّقْدِيرُ يَوْمَ، إِذْ يَكُونُ الْجَزَاءُ إِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ جُمْلَةٌ مُصَرَّحٌ بِهَا يَكُونُ التَّنْوِينُ عِوَضًا عَنْهَا، وَتَكَلَّمَ الْمُعْرِبُونَ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى عَادَتِهِمْ فَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَشَارَ أَبُو عَلِيٍّ إِلَى تَحْسِينِهِ قِرَاءَةَ يُصْرَفْ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ لِتُنَاسِبَ فَقَدْ رَحِمَهُ وَلَمْ يَأْتِ فَقَدْ رُحِمَ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ مَنْ يُصْرَفْ اللَّهُ وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ قِرَاءَةَ يُصْرَفْ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ قَالَ: لِأَنَّهَا أَقَلُّ إِضْمَارًا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَأَمَّا مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَخَبَّطَ فِي كِتَابِ الْهِدَايَةِ فِي تَرْجِيحِ الْقِرَاءَةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَمَثَّلَ فِي احْتِجَاجِهِ بِأَمْثِلَةٍ فَاسِدَةٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا تَوْجِيهٌ لَفْظِيٌّ يُشِيرُ إِلَى التَّرْجِيحِ تَعَلُّقُهُ خَفِيفٌ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَالْقِرَاءَتَانِ وَاحِدٌ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا غَيْرَ مُرَّةٍ أَنَّا لَا نُرَجِّحُ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ الْمُتَوَاتِرَتَيْنِ. وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى ثَعْلَبًا كَانَ لَا يَرَى التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ. وَقَالَ: قَالَ ثَعْلَبٌ مِنْ كَلَامِ نَفْسِهِ إِذَا اخْتَلَفَ الْإِعْرَابُ فِي الْقُرْآنِ عَنِ السَّبْعَةِ، لَمْ أُفَضِّلْ إِعْرَابًا عَلَى إِعْرَابٍ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا خَرَجْتُ إِلَى الْكَلَامِ كَلَامِ النَّاسِ فَضَّلْتُ الْأَقْوَى وَنِعْمَ السَّلَفُ لَنَا، أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى كَانَ عَالِمًا بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ مُتَدَيِّنًا ثِقَةً.
وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ الْإِشَارَةَ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مَنْ يُصْرَفْ أَيْ وَذَلِكَ الصَّرْفُ هُوَ الظَّفَرُ وَالنَّجَاةُ من الهلكة والْمُبِينُ الْبَيِّنُ فِي نَفْسِهِ أَوِ الْمُبَيِّنُ غَيْرَهُ.
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ إِنْ يُصِبْكَ وَيَنَلْكَ بِضُرٍّ وَحَقِيقَةُ الْمَسِّ تَلَاقِي جِسْمَيْنِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْبَاءَ فِي بِضُرٍّ وفي بِخَيْرٍ للتعدية وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَعَدِيًّا كَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ الضر فَقَدْ مَسَّكَ، وَالتَّعْدِيَةُ بِالْبَاءِ فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي قَلِيلَةٌ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ «١» وَقَوْلُ الْعَرَبِ: صَكَكْتُ أَحَدَ الْحَجَرَيْنِ بِالْآخَرِ وَالضُّرُّ بِالضَّمِّ سُوءُ الْحَالِ فِي الْجِسْمِ وَغَيْرِهِ، وَبِالْفَتْحِ ضِدُّ النَّفْعِ وَفَسَّرَ السُّدِّيُّ الضُّرَّ هُنَا بِالسَّقَمِ وَالْخَيْرَ بِالْعَافِيَةِ.
وَقِيلَ: الضُّرُّ الْفَقْرُ وَالْخَيْرُ الْغِنَى وَالْأَحْسَنُ الْعُمُومُ فِي الضُّرِّ مِنَ الْمَرَضِ وَالْفَقْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي الْخَيْرِ مِنَ الْغِنَى وَالصِّحَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ،
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ». أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَالَّذِي يُقَابِلُ الْخَيْرَ هُوَ الشَّرُّ وَنَابَ عَنْهُ هُنَا الضُّرُّ وعدل عن

(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٥١.


الصفحة التالية
Icon