فَالْفَوْقِيَّةُ مُسْتَعَارَةٌ لِلْمَعْنَى مِنْ فَوْقِيَّةِ الْمَكَانِ، وَحَكَى الْمَهْدَوِيُّ أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ الْقَاهِرُ غَالِبًا فَوْقَ عِبَادِهِ وَقَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ، وَقَدَّرَهُ مُسْتَعْلِيًا أَوْ غَالِبًا وَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ عِبَادِهِ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنَ الْقَاهِرِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَا مَعْنَاهُ وُرُودُ الْعِبَادِ فِي التَّفْخِيمِ وَالْكَرَامَةِ وَالْعَبِيدِ فِي التَّحْقِيرِ وَالِاسْتِضْعَافِ وَالذَّمِّ، وَذَكَرَ مَوَارِدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى زَعْمِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ هَذَا الْمَعْنَى مَبْسُوطًا مُطَوَّلًا وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ.
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: سَأَلَتْ قُرَيْشٌ شَاهِدًا عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَيُّ دَلِيلٍ يَشْهَدُ بِأَنَّ اللَّهَ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَقَالَ: هَذَا الْقُرْآنُ تَحَدَّيْتُكُمْ بِهِ فَعَجَزْتُمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِمِثْلِ بَعْضِهِ،
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَ رُؤَسَاءُ مَكَّةَ: يَا مُحَمَّدُ مَا نَرَى أَحَدًا يُصَدِّقُكَ فِيمَا تَقُولُ فِي أَمْرِ الرِّسَالَةِ وَلَقَدْ سَأَلْنَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى عَنْكَ فَزَعَمُوا أَنْ لَيْسَ لَكَ عِنْدَهُمْ ذِكْرٌ وَلَا صِفَةٌ، فَأَرِنَا مَنْ يَشْهَدُ لَكَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا تَزْعُمُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقِيلَ: سَأَلَ الْمُشْرِكُونَ لَمَّا نَزَلَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ الْآيَةَ فَقَالُوا: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ إِلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَ اللَّهُ وَهَذَا الْقُرْآنُ الْمُعْجِزُ
وأَيُّ اسْتِفْهَامٌ وَالْكَلَامُ عَلَى أَقْسَامِ أَيٍّ وَعِلَّةِ إِعْرَابِهَا مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ وشَيْءٍ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَذُكِرَ الْخِلَافُ فِي مَدْلُولِهِ الْحَقِيقِيِّ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الشَّيْءُ أَعَمُّ الْعَامِّ لِوُقُوعِهِ عَلَى كُلِّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ وَيُخْبَرَ عَنْهُ فَيَقَعُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَالْمُحَالِ وَالْمُسْتَقِيمِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يُقَالَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ لَا كَالْأَشْيَاءِ كَأَنَّكَ قُلْتَ مَعْلُومٌ لَا كَسَائِرِ الْمَعْلُومَاتِ وَلَا يَصِحُّ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ وَأَرَادَ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً فَوَضَعَ شَيْئًا مَكَانَ شَهِيدٌ لِيُبَالِغَ فِي التَّعْمِيمِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَتَتَضَمَّنُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُقَالُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا يُقَالُ عَلَيْهِ مَوْجُودٌ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا هُنَا شَيْءٌ يَقَعُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَالْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مُقْتَضَاهُ، جَازَ إِطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى ذَلِكَ وَخَالَفَ الْجَهْمُ وَقَالَ: لَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى ذَاتًا وَمَوْجُودًا وَإِنَّمَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ «١» فَيَلْزَمُ مِنْ إِطْلَاقِ شَيْءٍ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَلِقَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى «٢» وَالِاسْمُ إِنَّمَا يَحْسُنُ لِحُسْنِ مُسَمَّاهُ وَهُوَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى صِفَةِ كَمَالٍ وَنَعْتِ جَلَالٍ وَلَفْظُ الشَّيْءِ أَعَمُّ الْأَشْيَاءِ فَيَكُونُ حَاصِلًا فِي أَخَسِّ الْأَشْيَاءِ وَأَرْذَلِهَا، فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ كَمَالٍ وَلَا نَعْتِ جلال فوجب أن

(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٠٢.
(٢) سورة الأعراف: ٧/ ١٨٠.


الصفحة التالية
Icon