وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَمَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَسْتَكِنِّ فِي لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَجَازَ ذَلِكَ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الضَّمِيرِ بِضَمِيرِ الْمَفْعُولِ وَبِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَيْ وَلِيُنْذِرَ بِهِ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ.
أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قرئ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ بِصُورَةِ الْإِيجَابِ فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مَحْضًا وَاحْتُمِلَ الِاسْتِفْهَامُ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ أَدَاتِهِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ قِرَاءَةُ الِاسْتِفْهَامِ، فَقُرِئَ بِهَمْزَتَيْنِ مُحَقَّقَتَيْنِ وَبِإِدْخَالِ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا وَبِتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ وَبِإِدْخَالِ أَلِفٍ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الْأُولَى وَالْهَمْزَةِ الْمُسَهَّلَةِ، رَوَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ الْأَخِيرَةَ الْأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَنَافِعٍ، وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ مَعْنَاهُ التَّقْرِيعُ لَهُمْ وَالتَّوْبِيخُ وَالْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِأَهْلِ مَكَّةَ فَالْآلِهَةُ الْأَصْنَامُ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ أَوْثَانٍ، وَإِنْ كَانَ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ فَالْآلِهَةُ كُلُّ مَا عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وَثَنٍ أَوْ كَوْكَبٍ أَوْ نَارٍ أَوْ آدَمِيٍّ وَأُخْرَى صِفَةٌ لِآلِهَةٍ وَصِفَةُ جَمْعِ مَا لَا يُعْقَلُ كَصِفَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُؤَنَّثَةِ، كَقَوْلِهِ: مَآرِبُ أُخْرى والْأَسْماءُ الْحُسْنى «١» وَلَمَّا كَانَتِ الْآلِهَةُ حِجَارَةً وَخَشَبًا أُجْرِيَتْ هَذَا الْمَجْرَى.
قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ شَهَادَتَهُمْ وَأَمَرَهُ ثَانِيًا أَنْ يُفْرِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ، وَأَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ إِشْرَاكِهِمْ وَمَا أَبْدَعَ هَذَا التَّرْتِيبَ أُمِرَ أَوَّلًا بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِفْرَادُ اللَّهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ فَأُمِرَ بِهِ ثَانِيًا لِيَجْتَمِعَ مَعَ انْتِفَاءِ مُوَافَقَتِهِمْ إِثْبَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَخْبَرَ ثَالِثًا بِالتَّبَرُّؤِ مِنْ إِشْرَاكِهِمْ وَهُوَ كَالتَّوْكِيدِ لِمَا قَبْلَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ دَاخِلًا تَحْتَ الْقَوْلِ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَهُ فَأُمِرَ بِأَنْ يَقُولَ الْجُمْلَتَيْنِ، فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا فِي عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ
وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ وَأُسْنِدَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ النَّحَّامُ بْنُ زَيْدٍ وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ وَمُجَزِّئُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا تَعْلَمُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِذَلِكَ أُمِرْتُ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمْ.
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي الْبَقَرَةِ وَشَرْحُ الثَّانِيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ قَرِيبٍ، وَقَالُوا هُنَا الضَّمِيرُ فِي يَعْرِفُونَهُ عَائِدٌ عَلَى الرَّسُولِ قَالَهُ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْجُمْهُورُ، وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَوْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَذَلِكَ لِقُرْبِ قَوْلِهِ: قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَفِيهِ اسْتِشْهَادٌ عَلَى كَفَرَةِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ عَلَى القرآن قاله فرقة