بِمَعْنَى الَّذِي وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ. قَالَ: وَغَابَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ أُلُوهِيَّتَهُ وَشَفَاعَتَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَأَبِي عَلِيٍّ قَالَا: لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنَ الْأَصْنَامِ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُمْ مَا كُنَّا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى «١» فَذَهَبَ عَنْهُمْ حَيْثُ عَلِمُوا أَنْ لَا تَقْرِيبَ مِنْهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَضَلَّ عُطِفَ عَلَى كذبوا فيدخل في حيّز انْظُرْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا مُسْتَأْنَفًا فَلَا يَدْخُلُ فِي حَيِّزِهِ وَلَا يَتَسَلَّطُ النَّظَرُ عَلَيْهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً.
رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَالْوَلِيدَ وَالنَّضْرَ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأُمِيَّةَ وَأُبَيًّا اسْتَمَعُوا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لِلنَّضْرِ: يَا أَبَا قُتَيْلَةَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: مَا يَقُولُ إِلَّا أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ مِثْلُ مَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، وَكَانَ صَاحِبَ أَشْعَارٍ جَمَعَ أَقَاصِيصَ فِي دِيَارِ الْعَجَمِ مِثْلَ قِصَّةِ رُسْتُمٍ وَأَسْفِنْدِيَارَ فَكَانَ يُحَدِّثُ قُرَيْشًا فَيَسْتَمِعُونَ لَهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنِّي لَأَرَى بَعْضَ مَا يَقُولُ حَقًّا. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: كَلَّا لَا تُقِرَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَقَالَ الْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا، فَنَزَلَتْ
وَالضَّمِيرُ فِي وَمِنْهُمْ عَائِدٌ عَلَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَوَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي يَسْتَمِعُ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مَنْ وَجَمَعَهُ فِي عَلى قُلُوبِهِمْ حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهَا وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا مَعْطُوفَةٍ عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا عَطْفَ فِعْلِيَّةٍ عَلَى اسْمِيَّةٍ فَيَكُونُ إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ كَذَا. وَقِيلَ: الْوَاوُ وَاوَ الْحَالِ أَيْ وَقَدْ جَعَلْنَا أَيْ نُنْصِتُ إِلَى سَمَاعِكَ وَهُمْ مِنَ الْغَبَاوَةِ، فِي حَدِّ مَنْ قَلْبُهُ فِي كِنَانٍ وَأُذُنُهُ صَمَّاءُ وَجَعَلَ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى أَلْقَى، فَتَتَعَلَّقَ عَلَى بِهَا وَبِمَعْنَى صَيَّرَ فَتَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ إِذْ هِيَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى خَلَقَ، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ نَعْتٍ لَوْ تَأَخَّرَتْ، فَلَمَّا تَقَدَّمَتْ صَارَتْ حَالًا وَالْأَكِنَّةُ جَمْعُ كِنَانٍ كَعِنَانٍ وَأَعِنَّةٍ وَالْكِنَانُ الْغِطَاءُ الْجَامِعُ.
قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا مَا انْتَضَوْهَا فِي الْوَغَى مِنْ أَكِنَّةٍ حَسِبْتَ بُرُوقَ الْغَيْثِ هاجت غيومها
وأَنْ يَفْقَهُوهُ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ تَقْدِيرُهُ عِنْدَهُمْ كَرَاهَةَ أَنْ يَفْقَهُوهُ. وَقِيلَ:
الْمَعْنَى أَنْ لَا يَفْقَهُوهُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وِقْرًا بِكَسْرِ الْوَاوِ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ آذانِهِمْ وُقِرَتْ بِالصَّمَمِ كَمَا تُوقَرُ الدَّابَّةُ مِنَ الْحَمْلِ، وَالظَّاهِرُ أن
(١) سورة الزمر: ٣٩/ ٣. [.....]


الصفحة التالية
Icon