فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ وَأَبْشِرْ وَقَرَّ بِذَاكَ منك ع
يونا وَدَعَوْتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ نَاصِحٌ وَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ ثَمَّ أ
مينا وَعَرَضْتَ دِينًا لَا مَحَالَةَ أَنَّهُ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ
دِينَا لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارُ مَسَبَّةٍ لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ مَكَّةَ كَانُوا يَنْهَوْنَ النَّاسَ عن اتباع الرسول وَيَتَبَاعَدُونَ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ
، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ يَعُودُ عَلَى الْكُفَّارِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِي قَوْلِهِ: عَنْهُ يَعُودُ إِلَى الْقُرْآنِ وَهُوَ الَّذِي عَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي يَفْقَهُوهُ وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ إِنْ هَذَا وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَنْهَوْنَ غَيْرَهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ ويَنْأَوْنَ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي عَنْهُ عَائِدٌ عَلَى الرسول إِذْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وحَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْتِفَاتًا وَهُوَ خُرُوجٌ مِنْ خِطَابٍ إِلَى غَيْبَةٍ، وَالضَّمِيرُ فِي وَهُمْ عَائِدٌ عَلَى الْكُفَّارِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ تَبَاعُدِهِمْ عَنِ الرَّسُولِ بِأَنْفُسِهِمْ وَنَهْيِ غَيْرِهِمْ عَنِ اتِّبَاعِهِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ أَحَدُ مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي وَهُمْ عَائِدٌ عَلَى أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى حِمَايَةِ الرَّسُولِ وَالضَّمِيرُ فِي عَنْهُ عَائِدٌ عَلَى الرَّسُولِ، وَالْمَعْنَى وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ مَنْ يُرِيدُ إِذَايَتَهُ وَيَبْعُدُونَ عَنْهُ بِتَرْكِ إِيمَانِهِمْ بِهِ وَاتِّبَاعِهِمْ لَهُ فَيَفْعَلُونَ الشَّيْءَ وَخِلَافَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وأيضا وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَعَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ وَمُقَاتِلٍ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحَدُ مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ وَنِسْبَةُ هَذَا إِلَى أَبِي طَالِبٍ وَتَابِعَيْهِ بِلَفْظِ وَهُمْ الظَّاهِرُ عَوْدُهُ عَلَى جَمَاعَةِ الْكُفَّارِ وَجَمَاعَتُهُمْ لَمْ يَنْهَوْا عَنْ إِذَايَةِ الرَّسُولِ هِيَ نِسْبَةٌ لِكُلِّ الْكُفَّارِ بِمَا صَدَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ، فَخَرَجَتِ الْعِبَارَةُ عَنْ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بِمَا يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ لِأَنَّ التَّوْبِيخَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَشْنَعُ وَأَغْلَظُ حَيْثُ يَنْهَوْنَ عَنْ إِذَايَتِهِ وَيَتَبَاعَدُونَ عَنِ اتِّبَاعِهِ وَهَذَا كَمَا تَقُولُ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ سُرَّاقٌ وَمِنْهُمْ زُنَاةٌ وَمِنْهُمْ شَرَبَةُ خَمْرٍ، هَؤُلَاءِ سُرَّاقٌ وَزُنَاةٌ وَشَرَبَةُ خَمْرٍ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَفْعَلُ ذَا وَبَعْضَهُمْ ذَا وَكَانَ الْمَعْنَى وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْهَى عَنْ إِذَايَتِهِ وَيَبْعُدُ عَنْ هِدَايَتِهِ وَفِي قوله:
يَنْهَوْنَ ويَنْأَوْنَ تَجْنِيسُ التَّصْرِيفِ وَهُوَ أَنْ تَنْفَرِدَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَنِ الْأُخْرَى بِحَرْفٍ فَيَنْهَوْنَ انْفَرَدَتْ بَالْهَاءِ وَيَنْأَوْنَ انْفَرَدَتْ بِالْهَمْزَةِ وَمِنْهُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ «١» ويفرحون
(١) سورة الكهف: ١٨/ ١٠٤.


الصفحة التالية
Icon