بِالْحَقِ
وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الْبَعْثِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: أَلَيْسَ هَذَا الْعَذَابُ بِالْحَقِّ وَكَأَنَّهُ لَاحَظَ قَوْلَهُ قَالَ: فَذُوقُوا الْعَذابَ قالُوا بَلى وَرَبِّنا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَلى وَأَكَّدُوا جَوَابَهُمْ بِالْيَمِينِ فِي قَوْلِهِمْ وَرَبِّنا وَهُوَ إِقْرَارٌ بِالْإِيمَانِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ وَنَاسَبَ التَّوْكِيدُ بِقَوْلِهِمْ وَرَبِّنا صَدْرَ الْآيَةِ فِي وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ وَفِي ذِكْرِ الرَّبِّ تِذْكَارٌ لَهُمْ فِي أَنَّهُ كَانَ يُرَبِّيهِمْ وَيُصْلِحُ حَالَهُمْ، إِذَا كَانَ سَيِّدُهُمْ وَهُمْ عَبِيدُهُ، لَكِنَّهُمْ عَصَوْهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ.
قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أَيْ بِكَفْرِكُمْ بِالْعَذَابِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ فَقِيلَ مُتَعَلِّقُ الْكُفْرِ الْبَعْثُ أَيْ بِكُفْرِكُمْ بِالْبَعْثِ. وَقِيلَ: مُتَعَلِّقُهُ الْعَذَابُ أَيْ بِكُفْرِكُمْ بِالْعَذَابِ وَالذَّوْقُ فِي الْعَذَابِ اسْتِعَارَةٌ بَلِيغَةٌ وَالْمَعْنَى بَاشِرُوهُ مُبَاشَرَةَ الذَّائِقِ إِذْ هِيَ أَشَدُّ الْمُبَاشَرَاتِ.
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يَا حَسْرَتَنا عَلى مَا فَرَّطْنا فِيها هَذَا اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَحْوَالِ مُنْكِرِي الْبَعْثِ وَخُسْرَانِهِمْ أَنَّهُمُ اسْتَعَاضُوا الْكُفْرَ عَنِ الْإِيمَانِ فَصَارَ ذَلِكَ شَبِيهًا بِحَالَةِ الْبَائِعِ الَّذِي أَخَذَ وَأَعْطَى وَكَانَ مَا أَخَذَ مِنَ الْكُفْرِ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ وَمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْإِيمَانِ سَبَبًا لِنَجَاتِهِ، فَأَشْبَهَ الْخَاسِرَ فِي صَفْقَتِهِ الْعَادِمَ الرِّبْحَ وَرَأْسَ مَالِهِ، وَمَعْنَى بِلِقاءِ اللَّهِ بُلُوغُ الْآخِرَةِ وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْجَزَاءِ وَرُجُوعُهُمْ إِلَى أَحْكَامِ اللَّهِ فِيهَا وحَتَّى غَايَةٌ لِتَكْذِيبِهِمْ لَا لِخُسْرَانِهِمْ، لِأَنَّ الْخُسْرَانَ لَا غَايَةَ لَهُ وَالتَّكْذِيبَ مُغَيًّا بِالْحَسْرَةِ لِأَنَّهُ لَا يَزَالُ بِهِمُ التَّكْذِيبُ إِلَى قَوْلِهِمْ يَا حَسْرَتَنا وَقْتَ مَجِيءِ السَّاعَةِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَتَّى إِذا فِي قَوْلِهِ: حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ وَمَعْنَى بِلِقاءِ اللَّهِ بِلِقَاءِ جَزَائِهِ وَالْإِضَافَةُ تَفْخِيمٌ وَتَعْظِيمٌ لِشَأْنِ الْجَزَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ:
«لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»،
أَيْ لَقِيَ جَزَاءَهُ وَمَنْ أَثْبَتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي جِهَةٍ اسْتَدَلَّ بِهَذَا، وَقَالَ: اللِّقَاءُ حقيقة والسَّاعَةُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سُمِّيَ سَاعَةً لِسُرْعَةِ انْقِضَاءِ الْحِسَابِ فِيهَا لِلْجَزَاءِ لِقَوْلِهِ: أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ «١» قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأُدْخِلَ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْعَهْدِ دُونَ تَقَدُّمِ ذِكْرٍ لِشُهْرَتِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا فِي النُّفُوسِ وَذَيَاعِ ذِكْرِهَا، وَأَيْضًا فَقَدْ تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ بِلِقاءِ اللَّهِ انْتَهَى. ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ السَّاعَةُ عَلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَصَارَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهَا لِلْغَلَبَةِ كَهِيَ فِي الْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ وَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (فَإِنْ قُلْتَ) : إِنَّمَا يَتَحَسَّرُونَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ (قُلْتُ) : لَمَّا كَانَ الموت

(١) سورة طه: ٢٠/ ١٠٤. [.....]


الصفحة التالية
Icon