سَبَقَتْ مَصْدَرِيَّةٌ التَّقْدِيرُ عَلَى تَفْرِيطِنَا فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي السَّاعَةِ أَوْ فِي الصَّفْقَةِ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ عَلَى السَّاعَةِ وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ إِذَا رَأَوْا مَنَازِلَهُمْ فِيهَا لَوْ كَانُوا آمَنُوا.
وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ الْأَوْزَارُ الْخَطَايَا وَالْآثَامُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ حَقِيقَةٌ وَهُوَ قَوْلُ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ وَعَمْرِو بن قيس الملائي وَالسُّدِّيِّ
وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ، وَمَا ذَكَرَهُ مَحْصُولُهُ أَنَّ عَمَلَهُ يُمَثَّلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ قَبِيحِ الْوَجْهِ وَالصُّورَةِ خَبِيثِ الرِّيحِ فَيَسْأَلُهُ فَيَقُولُ: أَنَا عملك طال ما رَكِبْتَنِي فِي الدُّنْيَا فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْكَبُكَ فَيَرْكَبُهُ وَيَتَخَطَّى بِهِ رِقَابَ النَّاسِ وَيَسُوقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ النَّارَ، وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ.
وَقِيلَ: هُوَ مَجَازٌ عُبِّرَ بحل الْوِزْرِ عَنْ مَا يَجِدُهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالْآلَامِ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُقَاسُونَ عقاب ذنوبهم مقاساة تثقل عَلَيْهِمْ وَهَذَا الْقَوْلُ بَدَأَ بِهِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَلَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَهُ قَالَ كَقَوْلِهِ: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ «١» لِأَنَّهُ اعْتِيدَ حَمْلُ الْأَثْقَالِ عَلَى الظُّهُورِ كَمَا أُلِّفَ الْكَسْبُ بِالْأَيْدِي وَالْوَاوُ فِي وَهُمْ وَاوُ الْحَالِ وَأَتَتِ الْجُمْلَةُ مُصَدَّرَةً بِالضَّمِيرِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النِّسْبَةِ إِذْ صَارَ ذُو الْحَالِ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَخُصَّ الظَّهْرُ لِأَنَّهُ غَالِبًا مَوْضِعُ اعْتِيَادِ الْحَمْلِ وَلِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي ثِقَلِ الْمَحْمُولِ إِذْ يُطِيقُ مِنَ الْحَمْلِ الثَّقِيلِ مَا لَا تُطِيقُهُ الرَّأْسُ وَلَا الْكَاهِلُ، كَمَا قَالَ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ «٢» لِأَنَّ اللَّمْسَ أَغْلَبُ مَا يَكُونُ بِالْيَدِ وَلِأَنَّهَا أَقْوَى فِي الْإِدْرَاكِ.
أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ ساءَ هُنَا تَحْتَمِلُ وُجُوهًا ثَلَاثَةً. أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْمُتَعَدِّيَةَ الْمُتَصَرِّفَةَ وَوَزْنُهَا فَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى أَلَا سَاءَهُمْ مَا يَزِرُونَ، وَتَحْتَمِلُ مَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي، فَتَكُونَ فَاعِلَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً فَيَنْسَبِكَ مِنْهَا ما بَعْدَهَا مَصْدَرٌ هُوَ الْفَاعِلُ أَيْ أَلَا سَاءَهُمْ وِزْرُهُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا حُوِّلَتْ إِلَى فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَأُشْرِبَتْ مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالْمَعْنَى أَلَا مَا أَسْوَأَ الَّذِي يَزِرُونَهُ أَوْ مَا أَسْوَأَ وِزْرَهُمْ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فِي مَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا أَيْضًا حُوِّلَتْ إِلَى فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَأُرِيدَ بِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي الذَّمِّ فَتَكُونُ مُسَاوِيَةً لبئس فِي الْمَعْنَى وَالْأَحْكَامِ، وَيَكُونُ إِطْلَاقُ الَّذِي سَبَقَ فِي مَا فِي قَوْلِهِ: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ «٣» جَارِيًا فِيهَا هُنَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْوَجْهِ وَالْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي فَاعِلِ بِئْسَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَلَا هُوَ
(٢) سورة الأنعام: ٦/ ٧.
(٣) سورة البقرة: ٢/ ٩٠.