هِيَ كَالْفِعْلِ تَنْقَلِبُ فِيهِ الْوَاوُ يَاءً لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُفْرَدِ وَهِيَ تَنْقَلِبُ فِي الْمُفْرَدِ فِي قَوْلِهِمْ: لَهٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ لَهِيَ كَمَا قَالُوا: شَجَّ وَهُوَ مِنَ الشَّجْوِ، وَقَالُوا فِي تَثْنِيَتِهِ: شَجَيَانِ بِالْيَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَقَالُوا: هُوَ كَقَوْلِهِمْ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ فَقِيلَ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
هِيَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ كَقَوْلِكَ: بَارِحَةُ الْأُولَى وَيَوْمُ الْخَمِيسِ وَحَقُّ الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ اخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ انْتَهَى. وَقِيلَ: مِنْ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَهُ أَيْ وَلَدَارُ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَهَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ، وَحَسُنَ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ قَدِ اسْتُعْمِلَتِ اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ فَوَلِيَتِ الْعَوَامِلَ كَقَوْلِهِ وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى «١» وَقَوْلِهِ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى «٢». وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ بِتَعْرِيفِ الدَّارِ بأل وَرَفْعِ الْآخِرَةُ نَعْتًا لَهَا وخَيْرٌ هُنَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَحَسُنَ حَذْفُ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ لِوُقُوعِهِ خَبَرًا وَالتَّقْدِيرُ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَقِيلَ: خَيْرٌ هُنَا لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ وَإِنَّمَا هِيَ كَقَوْلِهِ:
أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا «٣» إِذْ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فِي أَصْلِ الْخَيْرِ، فَيَزِيدُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهِ بَلْ هَذَا مُخْتَصٌّ بِالْمُؤْمِنِ. وَالدَّارُ الْآخِرَةُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْجَنَّةُ. وَقِيلَ ذَلِكَ مَجَازٌ عُبِّرَ بِهِ عَنِ الْإِقَامَةِ فِي النَّعِيمِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لِلَّهِ أَيَّامُ نَجِدٍ وَالنَّعِيمُ بِهَا | قَدْ كَانَ دَارًا لَنَا أَكْرِمْ بِهِ دَارَا |
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى أَعْمَالِ الْمُتَّقِينَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ، انْتَهَى. وَقَدْ أَبْدَى الْفَخْرُ الرَّازِيُّ الْخَيْرِيَّةَ هُنَا فَقَالَ: خَيْرَاتُ الدُّنْيَا خَسِيسَةٌ وَخَيْرَاتُ الْآخِرَةِ شَرِيفَةٌ، وَبَيَانُهُ أَنَّ خَيْرَاتِ لدنيا لَيْسَتْ إِلَّا قَضَاءَ الشَّهْوَتَيْنِ وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْخَسَاسَةِ، بِدَلِيلِ مُشَارَكَةِ الْحَيَوَانَاتِ الْخَسِيسَةِ فِي ذَلِكَ وَزِيَادَةِ بَعْضِهَا عَلَى الْإِنْسَانِ فِي ذَلِكَ كَالْجَمَلِ فِي كَثْرَةِ الْأَكْلِ والديك في كثرة
(٢) سورة الضحى: ٩٣/ ٤.
(٣) سورة الفرقان: ٢٥/ ٢٤.