لَهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ لَهُ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا قول ضَعِيفٌ يَرُدُّهُ لَفْظُ الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: كَانَ فِي السَّمَاءِ وَكَانَا يَخْرُجَانِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ وَهُمَا بِهَا، وَقِيلَ: كَانَ يَدْخُلُ إِلَيْهِمَا فِي فَمِ الْحَيَّةِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: أَلْهَمَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ:
أَوْرَدَ عَلَيْهِمَا الْخَوَاطِرَ الْمُزَيَّنَةَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يُخَالِفَانِ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَدُلُّ عَلَى قَوْلٍ وَمُحَاوَرَةٍ وَقَسَمٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ لَامُ كَيْ قَصَدَ إبداء سوآتهما وتنحطّ مرتبتهما بذلك ويسوؤهما بِكَشْفِ مَا يَنْبَغِي سَتْرُهُ وَلَا يَجْتَنِبَانِ نَهْيَ اللَّهِ فَيَكُونُ هُوَ وَهُمَا سَوَاءً فِي الْمُخَالَفَةِ هُوَ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَأَبَى، وَهُمَا نُهِيَا فَلَمْ يَنْتَهِيَا، وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهَا لَامُ الصَّيْرُورَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلِمٌ بِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَيَقْصُدُهَا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ مِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْتَهْجَنًا فِي الطِّبَاعِ مُسْتَقْبَحًا فِي الْعُقُولِ انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ الِاعْتِزَالِيِّ فِي أَنَّ الْعَقْلَ يُقَبِّحُ وَيُحَسِّنُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَادُ مَدْلُولُ سَوْءَاتِهِمَا نَفْسِهِمَا وَهُمَا الْفَرْجُ وَالدُّبُرُ قِيلَ: وَكَانَا لَا يَرَيَانِهِمَا قَبْلَ أَكْلِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا أَكَلَا بَدَتَا لَهُمَا، وَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ يَرَى سوأة صَاحِبِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ كَنَّى بِسَوْءَاتِهِمَا عَنْ جَمِيعِ بَدَنِهِمَا وذكر السوأة لِأَنَّهَا أَقْبَحُ مَا يَظْهَرُ مِنْ بَنِي آدَمَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وُورِيَ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ أُورِيَ بِإِبْدَالِ الْوَاوِ هَمْزَةً وَهُوَ بَدَلٌ جَائِزٌ، وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ مَا وُرِيَ بِوَاوٍ مَضْمُومَةٍ مِنْ غَيْرِ وَاوٍ بَعْدَهَا عَلَى وَزْنِ كُسِيَ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ مِنْ سَوَّتِهِمَا بِالْإِفْرَادِ وَتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ بِإِبْدَالِهَا وَاوًا وَإِدْغَامِ الْوَاوِ فِيهَا، وَقَرَأَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةُ بْنُ نَصَّاحٍ مِنْ سَوَّاتِهِمَا بِتَسْهِيلِ الهمزة وتشديد الواو، وقرىء مِنْ سَوَاتِهِمَا بِوَاوٍ وَاحِدَةٍ وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَذَفَهَا وَأَلْقَى حَرَكَتَهَا عَلَى الْوَاوِ فَمَنْ قَرَأَ بِالْجَمْعِ فَهُوَ مِنْ وَضْعِ الْجَمْعِ مَوْضِعَ التَّثْنِيَةِ كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ مِثْلَيْنِ وَمَنْ قَرَأَ بِالْإِفْرَادِ فَمِنْ وَضْعِهِ مَوْضِعَ التَّثْنِيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ عَوْرَةٍ هِيَ الدُّبُرُ وَالْفَرْجُ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ: فَهِيَ جَمْعٌ وَإِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنَ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ أَيْ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا لِشَيْءٍ إِلَّا كَرَاهَةَ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ وَيُقَدِّرُهُ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا أَنْ تَكُونَا وَإِضْمَارُ الِاسْمِ وَهُوَ كَرَاهَةٌ أَحْسَنُ مِنْ إِضْمَارِ الْحَرْفِ وَهُوَ لَا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى وَأَنَّ الْبَشَرِيَّةَ تَلْمَحُ مَرْتَبَتَهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ: لَا حُجَّةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْبَشَرِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَلَكَيْنِ فِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا شَهْوَةً فِي طَعَامٍ انْتَهَى، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَالضَّحَّاكُ وَيَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ حَكِيمٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ مَلِكَيْنِ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَيَدُلُّ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ


الصفحة التالية
Icon