وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ ذاتَ بَيْنِكُمْ الْحَالَ الَّتِي بَيْنَكُمْ كَمَا ذَاتَ الْعِشَاءِ السَّاعَةُ الَّتِي فِيهَا الْعِشَاءُ وَوَجَّهَهُ الطَّبَرِيُّ، وَهُوَ قَوْلٌ بَيِّنُ الِانْتِقَاضِ انْتَهَى وَتَلَخَّصَ أَنَّ الْبَيْنَ يُطْلَقُ عَلَى الْفِرَاقِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَصْلِ وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ هُنَا قَالَ وَمِثْلُهُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «١» وَيَكُونُ ظَرْفًا بِمَعْنَى وَسَطَ، وَيُحْتَمَلُ ذاتَ أَنْ تُضَافَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا فِي أَنَّهُ بِمَعْنَى الْفِرَاقِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ أَشْهَرُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَصْلِ وَلِأَنَّ إِضَافَةَ ذَاتٍ إِلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ إِضَافَةِ ذَاتٍ إِلَى بَيْنٍ الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَثِيرَةَ التَّصَرُّفِ بَلْ تَصَرُّفُهَا كَتَصَرُّفِ أَمَامٍ وَخَلْفٍ وَهُوَ تَصَرُّفٌ مُتَوَسِّطٌ لَيْسَ بِكَثِيرٍ، وَأَمَرَ تَعَالَى أَوَّلًا بِالتَّقْوَى لِأَنَّهَا أَصْلٌ لِلطَّاعَاتِ ثُمَّ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَهَمُّ نَتَائِجِ التَّقْوَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي تَشَاجَرُوا فِيهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ التَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَيْ كُنْتُمْ كَامِلِي الْإِيمَانِ، وَتَسَنَّنَ هَنَا الزَّمَخْشَرِيُّ وَاضْطَرَبَ فَقَالَ: وَقَدْ جَعَلَ التَّقْوَى وَإِصْلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ وَطَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ وَمُوجِبَاتِهِ لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّوَفُّرِ عَلَيْهَا وَمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ كُنْتُمْ كَامِلِي الْإِيمَانِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِنْ كُنْتَ رَجُلًا فَافْعَلْ كَذَا أَيْ إِنْ كَنْتَ كَامِلَ الرُّجُولِيَّةِ، قَالَ: وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَطِيعُوا هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَمَذْهَبُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ مُتَأَخِّرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُ تَقْدِيرُهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَطِيعُوا وَمَذْهَبُهُ فِي هَذَا أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَلَى الشَّرْطِ انْتَهَى. والذي مُخَالِفٌ لِكَلَامِ النُّحَاةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ وَأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ جَوَازُ تَقْدِيمَ جَوَابِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ وَهَذَا النَّقْلُ هُوَ الصَّحِيحُ.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ قرىء وَجِلَتْ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ لُغَةٌ وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَرِقَتْ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ فَزِعَتْ وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ هَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ عَلَى التَّفْسِيرِ وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أَيِ الْكَامِلُو الْإِيمَانِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِمَوْصُولٍ وُصِلَ بِثَلَاثِ مَقَامَاتٍ عَظِيمَةٍ مَقَامِ الْخَوْفِ، وَمَقَامِ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ، وَمَقَامِ التَّوَكُّلِ، وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ إِنْ يُذْكَرِ اسْمُهُ وَيُلْفَظْ بِهِ تَفْزَعْ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِهِ اسْتِعْظَامًا لَهُ وَتَهَيُّبًا وَإِجْلَالًا وَيَكُونُ هَذَا الذِّكْرُ مُخَالِفًا لِلذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ «٢» لأنّ
(٢) سورة الزمر: ٣٩/ ٢٣. [.....]