وَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ
الْجِزْيَةُ: مَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى مُقَامِهِمْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَجْزُونَهَا أَيْ يَقْضُونَهَا. أَوْ لِأَنَّهَا تُجْزَى بِهَا مَنْ مُنَّ عَلَيْهِمْ بِالْإِعْفَاءِ عَنِ الْقَتْلِ.
الْمُضَاهَاةُ: الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُحَاكَاةُ، وَثَقِيفُ تَقُولُ: الْمُضَاهَأَةُ بِالْهَمْزِ، وَقَدْ ضَاهَأْتُ فَمَادَّتُهَا مُخَالِفَةٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا، إِلَّا إِنْ كَانَ ضَاهَتْ يُدْعَى أَنَّ أَصْلَهَا الْهَمْزُ كَقَوْلِهِمْ فِي تَوَضَّأْتُ وَقَرَأْتُ وَأَخْطَأْتُ: تَوَضَّيْتُ، وَقَرَيْتُ، وَأَخْطَيْتُ فَيُمْكِنُ. وَأَمَّا ضَهْيَأَ بِالْهَمْزِ مَقْصُورًا فَهَمْزَتُهُ زائدة كهمزة عرفىء، أَوْ مَمْدُودًا فَهَمْزَتُهُ لِلتَّأْنِيثِ زَائِدَةٌ، أَوْ مَمْدُودًا بَعْدَهُ هَاءُ التَّأْنِيثِ. حَكَاهُ الْبُحْتُرِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ فِي النَّوَادِرِ قَالَ: جَمَعَ بَيْنَ عَلَامَتَيْ تَأْنِيثٍ. وَمَدْلُولُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي ثَلَاثِ لُغَاتِهَا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا تَحِيضُ، أَوِ الَّتِي لَا ثَدْيَ لَهَا شَابَهَتْ بِذَلِكَ الرِّجَالَ.
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُضَاهَاةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ضَهْيَاءَ فَقَوْلُهُ خَطَأٌ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّتَيْنِ، لِأَصَالَةِ هَمْزَةِ الْمُضَاهَأَةِ، وَزِيَادَةِ هَمْزَةِ ضَهْيَاءَ فِي لُغَاتِهَا الثَّلَاثِ.
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا، وَقِيلَ: إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْ آخِرِهَا فَإِنَّهُمَا نَزَلَتَا بِمَكَّةَ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ لَهَا اسْمًا وَاخْتِلَافًا فِي سَبَبِ ابْتِدَائِهَا بِغَيْرِ بَسْمَلَةٍ، وَخِلَافًا عَنِ الصَّحَابَةِ: أَهِيَ وَالْأَنْفَالُ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ سُورَتَانِ؟ وَلَا تَعَلُّقَ لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ بِذَلِكَ، فَأَخْلَيْنَا كِتَابَنَا مِنْهُ، وَيُطَالَعُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَيُقَالُ: بَرِئْتُ مِنْ فُلَانٍ أَبْرَأُ بَرَاءَةً، أَيِ انْقَطَعَتْ بَيْنَنَا الْعِصْمَةُ، وَمِنْهُ بَرِئْتُ مِنَ الدَّيْنِ.
وَارْتَفَعَ بَرَاءَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ. وَمِنَ اللَّهِ صِفَةٌ مُسَوِّغَةٌ لِجَوَازِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ أَيْ: هَذِهِ بَرَاءَةٌ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ بَرَاءَةً بِالنَّصْبِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيْ الْزَمُوا، وَفِيهِ مَعْنَى الْإِغْرَاءِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: اسْمَعُوا بَرَاءَةً. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ) :
بِمَ تَعَلَّقَتِ الْبَرَاءَةُ، بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُعَاهَدَةِ بِالْمُسْلِمِينَ؟ (قُلْتُ) : قَدْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُعَاهَدَةِ الْمُشْرِكِينَ أَوَّلًا، فَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَاهَدُوهُمْ، فَلَمَّا نَقَضُوا الْعَهْدَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى النَّبْذَ إِلَيْهِمْ، فَخُوطِبَ الْمُسْلِمُونَ بِمَا تَجَدَّدَ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُمْ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ قَدْ بَرِئَا مِمَّا عَاهَدْتُمْ بِهِ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَمَّا كَانَ عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَازِمًا لِجَمِيعِ أُمَّتِهِ حَسُنَ أَنْ يَقُولَ: عَاهَدْتُمْ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: كَانَتِ الْعَرَبُ قَدْ


الصفحة التالية
Icon