فَسِيحُوا أَمْرُ إِبَاحَةٍ، وَفِي ضِمْنِهِ تَهْدِيدٌ وَهُوَ الْتِفَاتٌ مِنْ غَيْبَةٍ إِلَى خِطَابٍ أَيْ: قُلْ لَهُمْ سِيحُوا.
يُقَالُ: سَاحَ سِيَاحَةً وَسَوْحًا وَسَيَحَانًا، وَمِنْهُ سَيْحُ الْمَاءِ وَهُوَ الْجَارِي الْمُنْبَسِطُ. وَقَالَ طَرَفَةُ:
لَوْ خِفْتُ هَذَا مِنْكَ مَا نِلْتَنِي | حَتَّى تَرَى خَيْلًا أَمَامِي تَسِيحُ |
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيُّ: أَوَّلُ الْأَشْهُرِ شَوَّالٌ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ، وَانْقِضَاؤُهَا انْقِضَاءُ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَذَانِ بِخَمْسِينَ، فَكَانَ أَجَلُ مَنْ لَهُ عَهْدٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النُّزُولِ، وَأَجَلُ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ يَوْمِ الْأَذَانِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: أَوَّلُهَا يَوْمُ الْأَذَانِ، وَآخِرُهَا الْعَشْرُ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ. وَقِيلَ: الْعَشْرُ من ذي العقدة إِلَى عِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلنَّسِيءِ الَّذِي كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ صَارَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ لَا تَفُوتُونَهُ وَإِنْ أَمْهَلَكُمْ وَهُوَ مُخْزِيكُمْ أَيْ: مُذِلُّكُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْعَذَابِ. وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو عَنْ أَهْلِ نَجْرَانَ: أنهم يقرأون مِنَ اللَّهِ بِكَسْرِ النُّونِ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَاتِّبَاعًا لِكَسْرَةِ النُّونِ. وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ قَرَأَ الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ: وَإِذْنٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ: إِنَّ اللَّهَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَالْفَتْحُ عَلَى تَقْدِيرِ بِأَنَّ، وَالْكَسْرُ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ، أَوْ لِأَنَّ الْأَذَانَ فِي مَعْنَى الْقَوْلِ فَكُسِرَتْ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَرَسُولَهُ بِالنَّصْبِ، عَطْفًا عَلَى لَفْظِ اسْمِ أَنَّ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ. وقرىء بِالْجَرِّ شَاذًّا، وَرُوِيَتْ عَنِ الْحَسَنِ.
وَخَرَجَتْ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الْجِوَارِ كَمَا أَنَّهُمْ نَعَتُوا وَأَكَّدُوا عَلَى الْجِوَارِ. وَقِيلَ: هِيَ وَاوُ الْقَسَمِ. وروي أن أعرابيا سمع مَنْ يَقْرَأُ بِالْجَرِّ فَقَالَ: إِنْ كَانَ اللَّهُ بَرِيئًا مِنْ رَسُولِهِ فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، فَلَبَّبَهُ الْقَارِئُ إِلَى عُمَرَ، فَحَكَى الْأَعْرَابِيُّ قِرَاءَتَهُ فَعِنْدَهَا أَمَرَ عُمَرُ بِتَعْلِيمِ الْعَرَبِيَّةِ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالرَّفْعِ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ. وَجَوَّزُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ فِي بَرِيءٌ، وَحَسَّنَهُ كَوْنُهُ فَصَلَ بِقَوْلِهِ: مِنَ الْمُشْرِكِينَ، بَيْنَ مُتَحَمِّلِهِ، وَالْمَعْطُوفِ. وَمَنْ أَجَازَ الْعَطْفَ عَلَى مَوْضِعِ اسْمِ إِنَّ الْمَكْسُورَةِ أَجَازَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الْمَفْتُوحَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ مَعَ الْمَكْسُورَةِ، وَمَنَعَ مَعَ الْمَفْتُوحَةِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ بْنِ الْبَاذِشِ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ