لأنه تكرار وذلك أنه وَصَفَ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ بِأَنَّهُمْ لَا إِيمَانَ لَهُمْ، فَالْوَجْهُ فِي كَسْرِ الْأَلِفِ أَنَّهُ مَصْدَرُ أَمَنَهُ إِيمَانًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ «١» فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يُؤَمِّنُونَ أَهْلَ الذِّمَّةِ، إِذِ الْمُشْرِكُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: فَسَّرَ الْحَسَنُ قِرَاءَتَهُ لَا إِسْلَامَ لَهُمُ انْتَهَى. وَكَذَا تَبِعَهُ الزمخشري، فقال: وقرىء لَا إِيمَانَ لَهُمْ، أَيْ لَا إِسْلَامَ لَهُمْ، وَلَا يُعْطَوْنَ الْأَمَانَ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَالنَّكْثِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. وَبِقِرَاءَةِ الْفَتْحِ اسْتَشْهَدَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْكَافِرِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَمِينُهُمْ يَمِينٌ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يوفون بها بدليل الله تعالى وصفهم بِالنَّكْثِ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ، أَيْ لِيَكُنْ غَرَضُكُمْ فِي مقاتلتهم بعد مَا وُجِدَ مِنْهُمْ مَنِ الْعَظَائِمِ مَا وُجِدَ انْتِهَاءَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ، وَهَذَا مِنْ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ وَفَضْلِهِ وَعَوْدِهِ عَلَى الْمُسِيءِ بِالرَّحْمَةِ.
أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَلَا حَرْفُ عَرْضٍ، وَمَعْنَاهُ هُنَا الْحَضُّ عَلَى قِتَالِهِمْ. وَزَعَمُوا أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَلَا النَّافِيَةِ، فَصَارَ فِيهَا مَعْنَى التَّخْصِيصِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: دَخَلَتِ الْهَمْزَةُ عَلَى تَقْرِيرٍ عَلَى انْتِفَاءِ الْمُقَاتَلَةِ، وَمَعْنَاهَا: الْحَضُّ عَلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ. وَلَمَّا أَمَرَ تَعَالَى بِقَتْلِ أَهْلِ الْكُفْرِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَى مُقَاتَلَتِهِمْ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ جَمَعُوهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ كَافٍ فِي الْحَضِّ عَلَى مُقَاتَلَتِهِمْ. وَمَعْنَى نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ: نَقَضَ الْعَهْدَ. قَالَ السُّدِّيُّ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَالْكَلْبِيُّ:
نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ مَكَّةَ، نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ بَعْدَ عَهْدِ الْحُدَيْبِيَةَ، وَأَعَانُوا بَنِي بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ انْتَهَى.
وَهَمُّهُمْ هُوَ هَمُّ قُرَيْشٍ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مِنْ مَكَّةَ حِينَ تَشَاوَرُوا بِدَارِ النَّدْوَةِ، فَأَذِنَ اللَّهُ فِي الْهِجْرَةِ، فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بَنُو بَكْرٍ بِإِخْرَاجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ لِمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ وَالِاجْتِمَاعِ، أَوِ الْيَهُودُ، هَمُّوا بِغَدْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَضُوا عَهْدَهُ وَأَعَانُوا الْمُنَافِقِينَ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثلاثة أقوال أو لها لِلسُّدِّيِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مِنَ الْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ لِغَزْوَةِ أُحُدٍ وَالْأَحْزَابِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُمُ الَّذِينَ كَانَتْ مِنْهُمُ الْبُدَاءَةُ بِالْمُقَاتَلَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُمْ أَوَّلًا بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ وَتَحَدَّاهُمْ بِهِ، فَعَدَلُوا عَنِ الْمُعَارَضَةِ لِعَجْزِهِمْ عَنْهَا إِلَى الْقِتَالِ، فَهُمُ الْبَادِئُونَ، وَالْبَادِئُ أَظْلَمُ، فَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ أَنْ تُقَاتِلُوهُمْ بِمِثْلِهِ تَصْدِمُونَهُمْ بِالشَّرِّ كَمَا صَدَمُوكُمْ؟ وَبَّخَهُمْ بِتَرْكِ مُقَاتَلَتِهِمْ، وَحَضَّهُمْ عَلَيْهَا، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِمَا يُوجِبُ الْحَضَّ عَلَيْهَا. وَتَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ صِفَاتِهِمْ مِنْ نَكْثِ الْعُهُودِ وَإِخْرَاجِ الرسول