وَالْخَنَازِيرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ صَافَحَ مُشْرِكًا فَلْيَتَوَضَّأْ. وَفِي التَّحْرِيرِ وَبَالَغَ الْحَسَنُ حَتَّى قَالَ: إِنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ مِنْ مَسِّ الْمُشْرِكِ، وَلَمْ يَأْخُذْ أَحَدٌ بِقَوْلِ الْحَسَنِ إِلَّا الْهَادِيَ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَغَيْرُهُمَا: وُصِفَ الْمُشْرِكُ بِالنَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ جُنُبٌ، إِذْ غُسْلُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ بِغُسْلٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَجِبُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَا يَتَطَهَّرُونَ وَلَا يَغْتَسِلُونَ وَلَا يَجْتَنِبُونَ النَّجَاسَاتِ، فَجُعِلُوا نَجَسًا مُبَالَغَةً فِي وَصْفِهِمْ بِالنَّجَاسَةِ.
وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ: نِجْسٌ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ، أَيْ:
جِنْسٌ نِجْسٌ، أَوْ ضَرْبٌ نِجْسٌ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ نَجِسَ، فَخَفَّفُوهُ بَعْدَ الْإِتْبَاعِ كَمَا قَالُوا فِي كَبِدٍ كِبْدٌ وَكَرِشٍ كِرْشٌ. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْفَعِ: أَنْجَاسٌ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ نَجَسٍ الْمَصْدَرِ كَمَا قَالُوا أَصْنَافٌ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ نِجْسٍ اسْمِ فَاعِلٍ. وَفِي النَّهْيِ عَنِ الْقُرْبَانِ مَنْعُهُمْ عَنْ دُخُولِهِ وَالطَّوَافِ بِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهَذَا النَّهْيُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْلِمِينَ، أَيْ لَا يَتْرُكُونَهُمْ يَقْرَبُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالْمُشْرِكِينَ وَبِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَبَاحَ دُخُولَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَغَيْرَهُ، وَدُخُولَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَلَا يَحُجُّوا وَلَا يَعْتَمِرُوا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
قَوْلُ عَلِيٍّ حين نادى ببراءة: لَا يَحُجُّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ
، قَالَ: وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:
هِيَ عَامَّةٌ فِي الْكُفَّارِ، خَاصَّةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَأَبَاحَ دُخُولَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْوَثَنِيِّينَ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. وَقَاسَ مَالِكٌ جَمِيعَ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَقَاسَ سَائِرَ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَنَعَ مِنْ دُخُولِ الْجَمِيعِ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْحَرَمُ، وَأَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يمنكوهم مِنْ دُخُولِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْقُرْبَانِ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ تَوَلِّي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَيُعْزَلُوا عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَتَادَةُ: لَا يَقْرُبُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُشْرِكٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حرية، أو عبد المسلم، وَالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا: هُوَ عَامُ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ وَأُتْبِعَ بِعَلِيٍّ وَنُودِيَ فِيهَا ببراءة.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْعَامُ الْعَاشِرُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم، والعيلة الْفَقْرُ.
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةُ مِنْ أَصْحَابِهِ: عَائِلَةٌ وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْعَاقِبَةِ، أَوْ نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: حَالًا عائلة، وإنّ


الصفحة التالية
Icon