كتاب الله متعلق بعدة، يوم خلق السموات والأرض متعلق أيضا بعدّة. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ:
لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ في كتاب الله بعدة، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَصْلَ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ بِالْخَبَرِ الَّذِي هُوَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: عِدَّةَ مَصْدَرٌ مثل العدد، وفي كِتَابِ اللَّهِ صِفَةٌ لَاثْنَا عشر، ويوم معمول لكتاب عَلَى أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لَا جُثَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُثَّةً، وَيَكُونُ الْعَامِلُ فِي يَوْمَ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ انْتَهَى.
وَقِيلَ: انْتَصَبَ يَوْمَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: كُتِبَ ذلك يوم خلق السموات، وَلَمَّا كَانَتْ أَشْيَاءُ تُوصَفُ بِكَوْنِهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَا يُقَالُ فِيهَا أَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ «١» جَمَعَ هُنَا بَيْنَهُمَا، إِذْ لَا تَعَارُضَ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهَا عَائِدٌ عَلَى اثْنَا عَشَرَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، لَا عَلَى الشُّهُورِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِاثْنَا عشر، وفي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ في مستقر.
وأربعة حُرُمٌ سُمِّيَتْ حُرُمًا لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهَا، أَوْ لِتَعْظِيمِ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ فِيهَا.
وَتَسْكِينُ الرَّاءِ لُغَةٌ. وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا الْأَشْهُرُ الَّتِي أُجِّلَ الْمُشْرِكُونَ فِيهَا أَنْ يَسِيحُوا، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا رَجَبٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ. وَأَوَّلُهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَجَبٌ، فَيَكُونُ مِنْ سَنَتَيْنِ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ، فَيَكُونُ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أَيْ: الْقَضَاءُ الْمُسْتَقِيمُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: الْعَدَدُ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: الشَّرْعُ الْقَوِيمُ، إِذْ هُوَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ. فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، الضَّمِيرُ فِي فِيهِنَّ عَائِدٌ عَلَى الِاثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَالْمَعْنَى: لَا تَجْعَلُوا حَلَالًا حَرَامًا، وَلَا حَرَامًا حَلَالًا كَفِعْلِ النَّسِيءِ. وَيُؤَيِّدُهُ كَوْنُ الظُّلْمِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْبَعِ الْحُرُمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْفَرَّاءُ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ، نَهَى عَنِ الْمَظَالِمِ فِيهَا تَشْرِيفًا لَهَا وَتَعْظِيمًا بِالتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَظَالِمُ مَنْهِيًّا عَنْهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَيْ: فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، أَيْ: تَجْعَلُوا حَرَامَهَا حَلَالًا. وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ:
أَحَلَّتِ الْقِتَالَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَأْثَمُوا فِيهِنَّ بَيَانًا لِعِظَمِ حُرْمَتِهِنَّ، كَمَا عُظِّمَ أَشْهُرُ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ «٢» وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا فِي سَائِرِ الشُّهُورِ انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ عَوْدَهُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ كَوْنُهَا أَقْرَبَ مَذْكُورٍ، وَكَوْنُ الضَّمِيرِ جَاءَ بِلَفْظِ فيهن، ولم يجىء بلفظ فيها كما
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٩٧.