وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَطَلْحَةُ وَالْأَشْهَبُ وشبل: النسء بإسكان السين. وَالْأَشْهَبُ: النَّسِيُّ بِالْيَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ مِثْلُ النَّدِيُّ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ: النَّسُوءُ عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ. وَرُوِيَتْ هَذِهِ عَنْ طَلْحَةَ وَالسُّلَمِيِّ. وَقَوْلُ أَبِي وَائِلٍ: إِنَّ النَّسِيءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

أنسنا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدٍّ شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامًا
وَقَالَ آخر:
نسؤ الشُّهُورَ بِهَا وَكَانُوا أَهْلَهَا مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْعِزُّ لَمْ يَتَحَوَّلِ
وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّسِيءَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ أَيْ: جَاءَتْ مَعَ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَحْدَثَ مَعْصِيَةً ازْدَادَ كُفْرًا. قَالَ تَعَالَى: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ «١» كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَحْدَثَ طَاعَةً ازْدَادَ إِيمَانًا. قَالَ تَعَالَى: فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ «٢» وَأَعَادَ الضَّمِيرِ فِي بِهِ عَلَى النَّسِيءُ، لَا عَلَى لَفْظِ زِيَادَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ والأخوان وحفص: يضل مبنيا للمفعول، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: زُيِّنَ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي رِوَايَةٍ، وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونَ وَيَعْقُوبُ: يُضِلُّ أَيِ اللَّهُ، أَيْ: يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا أَتْبَاعَهُمْ. وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ: الْحَسَنِ، وَالْأَعْمَشِ، وَأَبِي عَمْرٍو، وَأَبِي رَجَاءٍ.
وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ: يَضَلُّ بِفَتْحَتَيْنِ مِنْ ضَلِلْتُ بِكَسْرِ اللَّامِ، أَضَلَّ بِفَتْحِ الضَّادِ مَنْقُولًا، فَتْحُهَا مِنْ فَتْحَةِ اللَّامِ إِذِ الْأَصْلُ أَضْلَلَ. وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ وَمَحْبُوبٌ عَنِ الْحَسَنِ: نُضِلُّ بِالنُّونِ الْمَضْمُومَةِ وَكَسْرِ الضَّادِ، أَيْ: نُضِلُّ نَحْنُ. وَمَعْنَى تَحْرِيمِهِمْ عَامًا وَتَحْلِيلِهِمْ عَامًا: لا يرادان ذَلِكَ، كَانَ مُدَاوَلَةً فِي الشَّهْرِ بِعَيْنِهِ عَامٌ حَلَالٌ وَعَامٌ حَرَامٌ. وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ النَّاسِ الْقِصَّةَ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا شَقَّ عَلَيْهِمْ تَوَالِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَحَلَّ لَهُمُ الْمُحَرَّمَ وَحَرَّمَ صَفَرًا بَدَلًا مِنَ الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ مَشَتِ الشُّهُورُ مُسْتَقِيمَةً عَلَى أَسْمَائِهَا الْمَعْهُودَةِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حُرِّمَ الْمُحَرَّمُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأُحِلَّ صَفَرٌ وَمَشَتِ الشُّهُورُ مُسْتَقِيمَةً، وَإِنَّ هَذِهِ كَانَتْ حَالَ الْقَوْمِ.
وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ الَّذِي انْتَدَبَ أَوَّلًا لِلنَّسِيءِ الْقَلَمَّسُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ:
الَّذِينَ شَرَعُوا النَّسِيءَ هُمْ بَنُو مَالِكٍ مِنْ كِنَانَةَ وَكَانُوا ثَلَاثَةً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أول من فعل ذلك عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ، وَغَيَّرَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ: نُعَيْمُ بْنُ ثَعْلَبَةَ. وَالْمُوَاطَأَةُ: الْمُوَافَقَةُ، أي ليوافقوا
(١) سورة التوبة: ٩/ ١٢٥.
(٢) سورة التوبة: ٩/ ١٢٤.


الصفحة التالية
Icon