وَفِعْلُ الشَّرْطِ لَيْسَ مَاضِيَ اللَّفْظِ وَلَا مُضَارِعًا مَقْرُونًا بلم، وَذَلِكَ إِنْ جَاءَ فِي كَلَامِهِمْ فَمَخْصُوصٌ بِالضَّرُورَةِ. وَأَيْضًا فَتَجِدُ الْكَلَامَ تَامًّا دُونَ تَقْدِيرِ هَذَا الْجَوَابِ. وَنَقَلُوا عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ أَنَّ بَدَلٌ مِنْ أَنَّهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُبْدَلُ مِنْهُ حَتَّى يُسْتَوْفَى.
وَالْأَوْلَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يَأْتِ خَبَرُهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَتِمَّ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَتِلْكَ الْجُمْلَةُ هِيَ الْخَبَرُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفَاءَ مَانِعُ الْبَدَلِ وَأَيْضًا، فَهِيَ مَعْنًى آخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، فَيَقْلَقُ الْبَدَلُ. وَإِذَا تُلُطِّفَ لِلْبَدَلِ فَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَهَذَا يَعْنِي الْبَدَلَ ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفَاءَ الَّتِي مَعَهَا تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ بِزِيَادَتِهَا ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ جَعْلَهَا بَدَلًا يُوجِبُ سُقُوطَ جَوَابِ الْكَلَامِ انْتَهَى. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى إِسْقَاطِ اللَّامِ أَيْ: فَلِأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ، فَالْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارِ مَا يَتِمُّ بِهِ جَوَابُ الشَّرْطِ جُمْلَةً أَيْ:
فَمُحَادَّتُهُ لِأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: فَإِنَّ لَهُ بِالْكَسْرِ فِي الْهَمْزَةِ حَكَاهَا عَنْهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَهِيَ قِرَاءَةُ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحَسَنِ، وَرِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَوَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَوِيٌّ لِأَنَّ الْفَاءَ تَقْتَضِي الِاسْتِئْنَافَ، وَالْكَسْرُ مُخْتَارٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارٍ، بِخِلَافِ الْفَتْحِ. وَقَالَ الشَّاعِرِ:

فَمَنْ يَكُ سَائِلًا عَنِّي فَإِنِّي وَجِرْوَةَ لَا تَرُودُ وَلَا تُعَارُ
وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ فِي أَنَّ بَعْدَ فَاءِ الْجَزَاءِ وَجْهَانِ: الْفَتْحُ، وَالْكَسْرُ. ذَلِكَ لِأَنَّ كَيْنُونَةَ النَّارِ لَهُ خَالِدًا فِيهَا هُوَ الْهَوَانُ الْعَظِيمُ كَمَا قَالَ: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ «١».
يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ:
كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَعِيبُونَ الرَّسُولَ وَيَقُولُونَ: عَسَى اللَّهُ أن لا يُفْشِيَ سِرَّنَا فَنَزَلَتْ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَدِدْتُ أَنِّي جُلِدْتُ مِائَةً وَلَا يَنْزِلُ فِينَا شَيْءٌ يَفْضَحُنَا، فَنَزَلَتْ.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: وَقَفَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ عِنْدَ مَرْجِعِهِ مِنْ تَبُوكَ لِيَفْتِكُوا بِهِ فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَزَلَتْ.
وَقِيلَ قَالُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ:
أَيَرْجُو هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ وَحُصُونُهَا: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فأنزل الله قل استهزؤوا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ يَحْذَرُ خَبَرٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ. فَقِيلَ: هُوَ وَاقِعٌ مِنْهُمْ حَقِيقَةً لَمَّا شَاهَدُوا الرَّسُولَ يُخْبِرُهُمْ بِمَا يَكْتُمُونَهُ، وَقَعَ الْحَذَرُ وَالْخَوْفُ فِي قُلُوبِهِمْ. وَقَالَ الْأَصَمُّ: كَانُوا يَعْرِفُونَهُ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَكَفَرُوا حَسَدًا، وَاسْتَبْعَدَ الْقَاضِي فِي العالم بالله
(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٩٢. [.....]


الصفحة التالية
Icon