حَكِيمَةً كَقَوْلِكَ: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ: الْكِتابِ الْحَكِيمِ «١» وَقِيلَ: مِنْ أَحْكَمْتُ الدَّابَّةَ إِذَا مَنَعَهَا مِنَ الْجِمَاحِ بِوَضْعِ الْحَكَمَةِ عَلَيْهَا، فَالْمَعْنَى: مُنِعَتْ مِنَ النِّسَاءِ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ | إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أَغْضَبَا |
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ثُمَّ فُصِّلَتْ كَمَا تُفَصَّلُ الْقَلَائِدُ بِالدَّلَائِلِ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالْأَحْكَامِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْقَصَصِ، أَوْ جُعِلَتْ فُصُولًا سُورَةً سُورَةً وَآيَةً آيَةً، أَوْ فُرِّقَتْ فِي التَّنْزِيلِ وَلَمْ تَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً، أَوْ فُصِّلَ بِهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ أَيْ بُيِّنَ وَلُخِّصَ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَةِ: ثُمَّ فَصَلَتْ بفتحتين، خفيفة عَلَى لُزُومِ الْفِعْلِ لِلْآيَاتِ. قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: يَعْنِي انْفَصَلَتْ وَصَدَرَتْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَصَلَتْ بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ مِنَ النَّاسِ، أَوْ نَزَلَتْ إِلَى النَّاسِ كَمَا تَقُولُ: فَصَلَ فُلَانٌ بِسَفَرِهِ.
قال الزمخشري: وقرىء أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ أَيْ: أَحْكَمْتُهَا أَنَا، ثُمَّ فَصَّلْتُهَا.
(فَإِنْ قُلْتَ) : مَا مَعْنَى ثُمَّ؟ (قُلْتُ) : لَيْسَ مَعْنَاهَا التَّرَاخِي فِي الْوَقْتِ وَلَكِنْ فِي الْحَالِ، كَمَا تَقُولُ: هِيَ مَحْكَمَةٌ أَحْسَنَ الْإِحْكَامِ، ثُمَّ مُفَصَّلَةٌ أَحْسَنَ التَّفْصِيلِ، وَفُلَانٌ كَرِيمُ الْأَصْلِ، ثُمَّ كَرِيمُ الْفِعْلِ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ ثُمَّ جَاءَتْ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْوُقُوعِ فِي الزَّمَانِ، وَاحْتَمَلَ مِنْ لَدُنْ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ. وَمَنْ أَجَازَ تَعْدَادَ الْأَخْبَارِ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى خَبَرٍ وَاحِدٍ أَجَازَ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَنْ يَكُونَ صِلَةَ أُحْكِمَتْ وَفُصِّلَتْ أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ أَحْكَامُهَا وَتَفْصِيلُهَا. وَفِيهِ طِبَاقٌ حَسَنٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَحْكَمَهَا حَكِيمٌ وَفَصَّلَهَا
(١) سورة يونس: ١٠/ ١.