تَقَدَّمَ مِنْ كُلِّ مَا قَبْلَهَا مِمَّا قَالُوا: إِنَّ الْأَصْنَامَ تَنْفَعُهُمْ. وَجَرَمَ فِعْلٌ مَاضٍ مَعْنَاهُ كَسَبَ، وَالْفَاعِلُ مضمر أي كسب هُوَ، أَيْ: فِعْلُهُمْ، وَأَنَّ وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، وَجَرَمَ الْقَوْمَ كَاسَبَهُمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

نَصَبْنَا رَأَسَهُ فِي جِذْعِ نَخْلٍ بِمَا جَرَمَتْ يَدَاهُ وَمَا اعْتَدَيْنَا
وَقَالَ آخَرُ:
جَرِيمَةَ نَاهِضٍ فِي رَأْسِ نِيقٍ تَرَى لِعِظَامِ مَا جَمَعَتْ صَلِيبَا
وَيُقَالُ: لَا جِرَمَ بِالْكَسْرِ، وَلَا جَرَ بِحَذْفِ الْمِيمِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنَّ فِيهَا أَرْبَعَ لُغَاتٍ: لَا جرم، ولا عن ذا جَرَمٍ، وَلَا أَنْ ذَا جَرَمٍ، قَالَ: وَنَاسٌ مِنْ فَزَارَةَ يَقُولُونَ:
لَا جَرَمَ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ فِيهِ لُغَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، قَالَ: بَنُو عَامِرٍ يَقُولُونَ: لَا ذَا جَرَمٍ، وَنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: لَا جُرَمَ بِضَمِّ الْجِيمِ. وَقَالَ الْجُبَّائِيُّ فِي نَوَادِرِهِ: حُكِيَ عَنْ فَزَارَةَ لَا جَرَ وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ ذَاكَ، قَالَ: وَيُقَالُ لَا ذَا جَرَمٍ، وَلَا ذُو جرم، ولا عن ذا جَرَمٍ، وَلَا أَنْ ذَا جَرَمٍ، وَلَا أَنْ جَرَمَ، وَلَا عَنْ جَرَمٍ، وَلَا ذَا جَرَ، وَاللَّهِ بِغَيْرِ مِيمٍ لَا أَفْعَلُ ذَاكَ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ لَا جَرَمَ:
أَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ ذَاكَ، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو: لَأَجْرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ على وزن لا كرم، وَلَا جَرَ حَذَفُوهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا قَالُوا: سَوْ تَرَى يُرِيدُونَ سَوْفَ تَرَى. وَلَمَّا كَانَ خُسْرَانُ النَّفْسِ أَعْظَمَ الْخُسْرَانِ، حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ هُمُ الزَّائِدُونَ فِي الْخُسْرَانِ عَلَى كُلِّ خَاسِرٍ مِنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْعُصَاةِ مَآلُهُ إِلَى الرَّاحَةِ، وَإِلَى انْقِطَاعِ خُسْرَانِهِ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ خُسْرَانَهُمْ لَا انْقِطَاعَ لَهُ.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ: لَمَّا ذَكَرَ ما يؤول إِلَيْهِ الْكُفَّارُ مِنَ النَّارِ، ذكر ما يؤول إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَالْفَرِيقَانِ هُنَا الْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ. وَلَمَّا كَانَ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْكُفَّارِ وَأُعْقِبَ بِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ، جَاءَ التَّمْثِيلُ هُنَا مُبْتَدَأً بِالْكَافِرِ فَقَالَ: كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَشْبِيهِ اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، فَقُوبِلَ الْأَعْمَى بِالْبَصِيرِ وَهُوَ طِبَاقٌ، وَقُوبِلَ الْأَصَمُّ بِالسَّمِيعِ وَهُوَ طِبَاقٌ أَيْضًا، وَالْعَمَى وَالصَّمَمُ آفَتَانِ تَمْنَعَانِ مِنَ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ، وَلَيْسَتَا بِضِدَّيْنِ، لِأَنَّهُ لَا تَعَاقُبَ بَيْنَهُمَا. ويحتمل أن يكون من تَشْبِيهٍ وَاحِدٍ بِوَصْفَيْهِ بِوَاحِدٍ بِوَصْفَيْهِ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الصِّفَاتِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:


الصفحة التالية
Icon