عَنْهُمْ. وَمَعْنَى إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ أَيْ: مَنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا كَانَ يَتَوَقَّعُ مِنْ إِيمَانِهِ، وَنَهَاهُ تَعَالَى عَنِ ابْتِآسِهِ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، وَهُوَ حُزْنُهُ عَلَيْهِمْ فِي اسْتِكَانَةٍ. وَابْتَأَسَ افْتَعَلَ مِنَ الْبُؤْسِ، وَيُقَالُ:
ابْتَأَسَ الرَّجُلُ إِذَا بَلَغَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَكَمْ مِنْ خَلِيلٍ أَوْ حَمِيمٍ رُزِئْتُهُ | فَلَمْ نَبْتَئِسْ وَالرُّزْءُ فِيهِ جَلِيلُ |
مَا يَقْسِمُ اللَّهُ اقْبَلْ غَيْرَ مُبْتَئِسٍ | مِنْهُ وَأَقْعُدْ كَرِيمًا نَاعِمَ الْبَالِ |
فَارِسُ الْخَيْلِ إِذَا مَا وَلْوَلَتْ | رَبَّةُ الْخِدْرِ بِصَوْتٍ مُبْتَئِسٍ |
فِي مَأْتَمٍ كَنِعَاجِ صَا | رَةَ يَبْتَئِسْنَ بِمَا لَقِينَا |
وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي، وَجُمِعَتْ هُنَا لِتَكْثِيرِ الْكِلَاءَةِ وَالْحِفْظِ وَدَيْمُومَتِهَا. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: بِأَعْيُنَّا مُدْغَمَةً. وَوَحْيِنَا نُوحِي إِلَيْكَ وَنُلْهِمُكَ كَيْفَ تَصْنَعُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ صَنْعَةُ الْفُلْكِ، فَأَوْحَى اللَّهُ أَنْ يَصْنَعَهَا مِثْلَ جُؤْجُؤِ الطَّائِرِ. قِيلَ: وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ بِأَعْيُنِنَا أَيْ بِمَلَائِكَتِنَا الَّذِينَ جَعَلْنَاهُمْ عُيُونًا عَلَى مَوَاضِعِ حِفْظِكَ وَمَعُونَتِكِ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ هُنَا لِلْجَمْعِ حَقِيقَةً. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى وَوَحْيِنَا بِأَمْرِنَا لَكَ أَوْ بِعِلْمِنَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ، مُغْنٍ عَنْ ذَلِكَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ زَانَ سَفِينَةِ نُوحٍ جِبْرِيلُ»
وَالزَّانُ الْقَيِّمُ بِعَمَلِ السَّفِينَةِ. وَالَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْمُ نُوحٍ، تَقَدَّمَ إِلَى نُوحٍ أَنْ لَا يَشْفَعَ فِيهِمْ فَيَطْلُبَ إِمْهَالَهُمْ، وَعَلَّلَ مَنْعَ مُخَاطَبَتِهِ بِأَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْغَرَقِ، وَنَهَاهُ عَنْ سُؤَالِ الْإِيجَابِ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ: يَا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ «١» وَقِيلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَاعِلَةُ زَوْجَتُهُ وَكَنْعَانُ ابْنُهُ.
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا
(١) سورة هود: ١١/ ٧٦.