السِّنِينَ وَالْحِسَابِ عِنْدَ الْعَرَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَهُمَا مَعًا بِحَسَبِ أَنَّهُمَا مُصَرَّفَانِ فِي مَعْرِفَةِ عَدَدِ السِّنِينَ وَالْحِسَابِ، لَكِنَّهُ اجْتُزِئَ بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا كَمَا قَالَ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «١» وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي | بَرِيئًا وَمِنْ أَجْلِ الطَّوِيِّ رَمَانِي |
وَقِيلَ: اكْتَفَى بذكر عدد السنين عن عَدَدِ الشُّهُورِ، وَكَنَّى بِالْحِسَابِ عَنِ الْمُعَامَلَاتِ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى مَخْلُوقِهِ. وَذَلِكَ يُشَارُ بِهَا إِلَى الْوَاحِدِ، وَقَدْ يُشَارُ بِهَا إِلَى الْجَمْعِ. وَمَعْنَى بِالْحَقِّ مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، وَلَمْ يَخْلُقْهُ عَبَثًا كَمَا جَاءَ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلًا «٢» وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ «٣» وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْحَقُّ هُنَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْمَعْنَى: مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ مَعَهُ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ تَرْكِيبٌ قَلِقٌ، إِذْ يَصِيرُ مَا ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا إِلَّا بِزَيْدٍ. وَقِيلَ:
الْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ لِلْحَقِّ، وَهُوَ إِظْهَارُ صَنْعَتِهِ وَبَيَانُ قُدْرَتِهِ وَدَلَالَةٌ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُصَرِّفٍ: وَالْحَسَابِ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَرَوَاهُ أَبُو تَوْبَةٍ عَنِ الْعَرَبِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَفْصٌ: يُفَصِّلُ بِالْيَاءِ جَرْيًا عَلَى لَفْظَةِ اللَّهِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالنُّونِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ وَالْإِخْبَارِ بِنُونِ الْعَظَمَةِ، وَخُصَّ مَنْ يَعْلَمُ بِتَفْصِيلِ الْآيَاتِ لَهُمْ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِتَفْصِيلِ الْآيَاتِ، وَيَتَدَبَّرُونَ بِهَا فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ الصَّحِيحِ. وَالْآيَاتُ الْعَلَامَاتُ الدَّالَّةُ أَوْ آيات القرآن.
(١) سورة التوبة: ٩/ ٦٢.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١٩١.
(٣) سورة الدخان: ٤٤/ ٣٨- ٣٩.
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١٩١.
(٣) سورة الدخان: ٤٤/ ٣٨- ٣٩.