أَنْ يَكُونَ الْجَعْلُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِلْقَاءِ، وَبِمَعْنَى التَّصْيِيرِ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ لَمَّا أهو مثبت؟ أم مَحْذُوفٌ؟ فَمَنْ قَالَ: مُثْبَتٌ، قَالَ: هُوَ قَوْلُهُمْ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ أَيْ: لَمَّا كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ، قَالُوا وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ. وَقِيلَ: هُوَ أَوْحَيْنَا، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ يُزَادُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ لَمَّا، وَحَتَّى إِذَا. وَعَلَى ذَلِكَ خَرَّجُوا قَوْلَهُ: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَيْ: نَادَيْنَاهُ وقوله: حتى إذا جاؤوها وَفُتِحَتْ أَيْ: فُتِحَتْ. وَقَوْلَ امرئ القيس:
فلما أحربا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى أَيِ: انْتَحَى. وَمَنْ قَالَ: هُوَ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ رَأْيُ الْبَصْرِيِّينَ، فَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَعَلُوا بِهِ مَا فَعَلُوا مِنَ الْأَذَى، وَحَكَى الْحِكَايَةَ الطَّوِيلَةَ فِيمَا فَعَلُوا بِهِ، وَمَا حَاوَرُوهُ وَحَاوَرَهُمْ بِهِ. قَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ عَظُمَتْ فِتْنَتُهُمْ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ فِيهَا، وَهَذَا أَوْلَى إِذْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى يُوسُفَ، وَهُوَ وَحْيُ إِلْهَامٍ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْ مَنَامٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فِي الْبِئْرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَعْطَاهُ اللَّهُ النُّبُوَّةَ فِي الْجُبِّ وَكَانَ صَغِيرًا، كَمَا أَوْحَى إِلَى يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَهُوَ ظَاهِرُ أَوْحَيْنَا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى يُوسُفَ قَوْلُهُ لَهُمْ قَالَ: هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي إِلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى يَعْقُوبَ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ لِيَأْنَسَ فِي الظُّلْمَةِ مِنَ الوحدة، وليبشر بما يؤول إليه أمره، ومعناه: لتتخلص مِمَّا أَنْتَ فِيهِ، وَلَتُحَدِّثَنَّ إِخْوَتَكَ بِمَا فَعَلُوا بِكَ. وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ قَوْلِهِ: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بهذا أَيْ: غَيْرَ عَالِمِينَ أَنَّكَ يُوسُفُ وَقْتَ التَّنْبِئَةِ قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَذَلِكَ لِعُلُوِّ شَأْنِكَ وَعَظَمَةِ سُلْطَانِكَ، وَبُعْدِ حَالِكَ عَنْ أَذْهَانِهِمْ، وَلِطُولِ الْعُمُرِ الْمُبْدِلِ لِلْهَيْئَاتِ وَالْأَشْكَالِ.
وَذَكَرَ أَنَّهُمْ حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ مُمْتَارِينَ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، دَعَا بِالصُّوَاعِ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُخْبِرُنِي هَذَا الْجَامُ أَنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَخٌ مِنْ أَبِيكُمْ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ، وَكَانَ يُدْنِيهِ دُونَكُمْ، وَأَنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِهِ وَأَلْقَيْتُمُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَقُلْتُمْ لِأَبِيكُمْ: أَكَلَهُ الذِّئْبُ. وَبِيعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ
، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ حَالًا مِنْ قَوْلِهِ: وَأَوْحَيْنَا أَيْ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، قَالَهُ قَتَادَةُ. أَيْ: بِإِيحَائِنَا إِلَيْكَ وَمَا أَخْبَرْنَاكَ بِهِ مِنْ نَجَاتِكَ وَطُولِ عُمُرِكَ، إِلَى أَنْ تُنَبِّئَهُمْ بِمَا فَعَلُوا بِكَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِتَاءِ الْخِطَابِ، وَابْنُ عُمَرَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، وَكَذَا فِي بَعْضِ مَصَاحِفِ الْبَصْرَةِ. وَقَرَأَ سلام بِالنُّونِ.


الصفحة التالية
Icon