الْمُسْتَأْنَفِ، وَإِلَّا فَقَدَ كَيَّلَ لهم. وجاؤوا أَبَاهُمْ بِالْمِيرَةِ، لَكِنْ لَمَّا أُنْذِرُوا بِمَنْعِ الْكَيْلِ قَالُوا:
مُنِعَ. وَقِيلَ: أَشَارُوا إِلَى بَعِيرِ بِنْيَامِينَ الَّذِي مُنِعَ مِنَ الْمِيرَةِ، وَهَذَا أَوْلَى بِحَمْلِ مُنِعَ عَلَى الْمَاضِي حَقِيقَةً، وَلِقَوْلِهِمْ: فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ، وَيُقَوِّيهِ قِرَاءَةُ يَكْتَلْ بِالْيَاءِ أَيْ: يَكْتَلْ أَخُونَا، فَإِنَّمَا مُنِعَ كَيْلُ بَعِيرِهِ لِغَيْبَتِهِ، أَوْ يَكُنْ سَبَبًا لِلِاكْتِيَالِ. فَإِنَّ امْتِنَاعَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَشْبِيهٌ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَخَوَيْنِ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِالنُّونِ أَيْ: نَرْفَعُ الْمَانِعَ مِنَ الْكَيْلِ، أَوْ نَكْتَلْ مِنَ الطَّعَامِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَضَمِنُوا لَهُ حِفْظَهُ وَحِيَاطَتَهُ. قَالَ: هَلْ آمَنُكُمْ، هَذَا تَوْقِيفٌ وَتَقْرِيرٌ. وَتَأَلُّمٌ مِنْ فِرَاقِهِ بِنْيَامِينَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِمَنْعِهِ مِنْ حَمْلِهِ لَمَّا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ. وَشَبَّهَ هَذَا الِائْتِمَانَ فِي ابْنِهِ هَذَا بِائْتِمَانِهِ إِيَّاهُمْ فِي حَقِّ يُوسُفَ. قُلْتُمْ فِيهِ: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، كَمَا قُلْتُمْ فِي هَذَا، فَأَخَافُ أَنْ تَكِيدُوا لَهُ كَمَا كِدْتُمْ لِذَلِكَ، لَكِنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ كَمَا خَافَ عَلَى يُوسُفَ، وَاسْتَسْلَمَ لِلَّهِ وَقَالَ: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا، وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَحَفْصٌ:
حَافِظًا اسْمُ فَاعِلٍ، وَانْتَصَبَ حِفْظًا وَحَافِظًا عَلَى التَّمْيِيزِ، وَالْمَنْسُوبُ لَهُ الْخَيْرُ هُوَ حِفْظُ اللَّهِ، وَالْحَافِظُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ اللَّهِ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا حَالًا، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّ فِيهِ تَقْيِيدُ خَيْرٌ بِهَذِهِ الْحَالِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: خَيْرُ حَافِظٍ عَلَى الْإِضَافَةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالْحِفْظِ وَزِيَادَتِهِ عَلَى كُلِّ حَافِظٍ. وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: خَيْرُ الْحَافِظِينَ، كَذَا نَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقرأ ابن مَسْعُودٍ، فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ خَيْرُ الْحَافِظِينَ. وَيَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا، لَا أَنَّهَا قُرْآنٌ. وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ اعْتِرَافٌ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ ذُو الرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ، فَأَرْجُو مِنْهُ حِفْظَهُ، وَأَنْ لَا يَجْمَعَ عَلَى مُصِيبَتِهِ وَمُصِيبَةِ أَخِيهِ.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٥ الى ٦٨]
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يَا أَبانا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦٨)


الصفحة التالية
Icon