الْبَرْقَ إِلَى قَوْلِهِ: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ «١» وَمَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ: الْكَلْبِيِّ، وَمُقَاتِلٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ، وَاسْتَثْنَيَا آيَتَيْنِ قَالَا: نَزَلَتَا بِمَكَّةَ وَهُمَا وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ «٢» إِلَى آخِرِهِمَا وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا قَوْلَهُ: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا «٣» إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَعَنْ قَتَادَةَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا قَوْلَهُ: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا «٤» الْآيَةَ حَكَاهُ الَمَهْدَوِيُّ. وَقِيلَ: السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ حَكَاهُ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعْدِ الْبَلُّوطِيُّ وَمَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تِلْكَ إِشَارَةٌ إِلَى آيَاتِ السُّورَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ السُّورَةُ أَيْ: تِلْكَ آيَاتُ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ الْعَجِيبَةِ فِي بَابِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مِنْ قَالَ حُرُوفُ أَوَائِلِ السُّورِ مِثَالٌ لِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ قَالَ: الْإِشَارَةُ هنا بتلك هِيَ إِلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَيَصِحُّ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ يُرَادُ بِهِ الْقُرْآنُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّوْرَاةُ والإنجيل. والمر على هذا ابتداء، وتلك ابتداء ثان، وآيات خَبَرُ الثَّانِي، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَيَكُونُ الرَّابِطُ اسم الإشارة وهو تلك. وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ بِتِلْكَ إِلَى مَا قُصَّ عَلَيْهِ مِنْ أنباء الرسل المشار إليها بِقَوْلِهِ:
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ، وَالَّذِي قَالَ: وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، هُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ، وَالْإِشَارَةُ بتلك إِلَى جَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلَةِ. وَيَكُونُ الْمَعْنَى: تِلْكَ الْآيَاتُ الَّتِي قَصَصْتُ عَلَيْكَ خَبَرَهَا هِيَ آيَاتُ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ قَبْلَ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: والذي مبتدأ، والحق خبره، ومن ربك متعلق بانزل. وَأَجَازَ الْحَوْفِيُّ أَنْ يَكُونَ من ربك الخبر، والحق مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ، أَوْ هُوَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، أَوْ كِلَاهُمَا خَبَرٌ وَاحِدٌ انْتَهَى. وَهُوَ إِعْرَابٌ مُتَكَلِّفٌ. وَأَجَازَ الْحَوْفِيُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ وَالَّذِي فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى آيَاتٍ، وَأَجَازَ هُوَ وَابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَكُونَ وَالَّذِي فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ. وَعَلَى هَذَيْنِ الْإِعْرَابَيْنِ يَكُونَ الْحَقُّ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هُوَ الْحَقُّ، وَيَكُونُ وَالَّذِي أُنْزِلَ مِمَّا عُطِفَ فِيهِ الْوَصْفُ عَلَى الْوَصْفِ وَهُمَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ كَمَا تَقُولُ: جَاءَنِي الظَّرِيفُ الْعَاقِلُ وَأَنْتَ تُرِيدُ شَخْصًا وَاحِدًا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِلَى الْمَلِكِ الْقَرِمِ وَابْنِ الهام | وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمْ |
(٢) سورة الرعد: ١٣/ ٣١.
(٣) سورة الرعد: ١٣/ ٣١.
(٤) سورة الرعد: ١٣/ ٣١.