مِنَ الثَّمَرَاتِ. أَلَا تَرَى إِلَى تَقَارُبِهَا فِي الْأَشْكَالِ، وَالْأَلْوَانِ، وَالرَّوَائِحِ، وَالْمَنَافِعِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ؟ قِيلَ: نَبَّهَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَنَّهُ الْمُدَبِّرُ لِلْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. وَذَلِكَ أَنَّ الشَّجَرَةَ تَخْرُجُ أَغْصَانُهَا وَثَمَرَاتُهَا فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَلَا تَتَقَدَّمُ، ثُمَّ يَتَصَعَّدُ الْمَاءُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عُلُوًّا عُلُوًّا وَلَيْسَ مِنْ طَبْعِهِ إِلَّا التَّسَفُّلُ، يَتَفَرَّقُ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي الْوَرَقِ وَالْأَغْصَانِ وَالثَّمَرِ كُلٌّ بِقِسْطِهِ وَبِقَدْرِ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ طُعُومُ الثِّمَارِ وَالْمَاءُ وَاحِدٌ، وَالشَّجَرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مُدَبِّرٍ دَبَّرَهُ وَأَحْكَمَهُ، لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَاتِ. قَالَ الرَّاجِزُ:
وَالْأَرْضُ فِيهَا عِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبِرِ | تُخْبِرُ عَنْ صُنْعِ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ |
تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ أَشْجَارُهَا | وَبُقْعَةٌ وَاحِدَةٌ قَرَارُهَا |
وَالشَّمْسُ وَالْهَوَاءُ لَيْسَ يَخْتَلِفُ | وَأَكْلُهَا مُخْتَلِفٌ لَا يَأْتَلِفُ |
لَوْ أَنَّ ذَا مِنْ عَمَلِ الطَّبَائِعِ | أَوْ أَنَّهُ صَنْعَةُ غَيْرِ صَانِعِ |
لَمْ يَخْتَلِفْ وَكَانَ شَيْئًا وَاحِدَا | هَلْ يُشْبِهُ الْأَوْلَادَ إِلَّا الْوَالِدَا |
الشَّمْسُ وَالْهَوَاءُ يَا مُعَانِدُ | وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ شَيْءٌ وَاحِدُ |
فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ ذَا التَّفَاضُلَا | إِلَّا حَكِيمٌ لَمْ يُرِدْهُ بَاطِلًا |