أَنْ يَنْهَرِقَ دَمًا عَلَى الْحَمْلِ، فَيَضْعُفُ الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ وَيُسْحَبُ، فَإِذَا بَقِيَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مُدَّةً كَمُلَ فِيهَا مِنْ خَمْسَةٍ وَصَحِبَهُ مَا نَقَصَ مِنْ هِرَاقَةِ الدَّمِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تَغِيضُ بِطَهُورِ الْحَيْضِ فِي الْحَبَلِ، وَتَزْدَادُ بِدَمِ النِّفَاسِ بَعْدَ الْوَضْعِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْغَيْضُ السَّقْطُ، وَالزِّيَادَةُ الْبَقَاءُ فَوْقَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: غِيضَ الرَّحِمُ أَنْ تُسْقِطَ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ، وَالزِّيَادَةُ أَنْ تَضَعَهُ لِمُدَّةٍ كَامِلَةٍ تَامَّةٍ. وَعَنِ الضَّحَّاكِ أَيْضًا: الْغَيْضُ النَّقْصُ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَالزِّيَادَةُ إِلَى سَنَتَيْنِ. وَقِيلَ: مِنْ عَدَدِ الْأَوْلَادِ، فَقَدْ تَحْمِلُ وَاحِدًا، وَقَدْ تَحْمِلُ أَكْثَرَ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: غَيْضُ الرَّحِمِ الدَّمُ عَلَى الْحَمْلِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنْ كَانَتْ مَا مَوْصُولَةً فَالْمَعْنَى: أَنْ يَعْلَمَ مَا تَحْمِلُ مِنَ الْوَلَدِ عَلَى أَيِّ حَالٍ هُوَ مِنْ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ، وَتَمَامٍ وَخَدْجٍ، وَحُسْنٍ وَقُبْحٍ، وَطُولٍ وَقِصَرٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ الحاضرة المترقبة.
وَيَعْلَمُ مَا تُغِيضُهُ الْأَرْحَامُ تنقصه، وما تَزْدَادُ أَيْ تَأْخُذُهُ زَائِدًا تَقُولُ: أَخَذْتُ مِنْهُ حَقِّي وَازْدَدْتُ مِنْهُ كَذَا، وَمِنْهُ: وَازْدَادُوا تِسْعاً «١» وَيُقَالُ: زِدْتُهُ فَزَادَ بِنَفْسِهِ وَازْدَادَ. وَمَا تنقصه الرحم وتزداده عَدَدُ الْوَلَدِ، فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى وَاحِدٍ، وَقَدْ تَشْتَمِلُ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ. وَيُرْوَى أَنْ شَرِيكًا كَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ. وَمِنْهُ جَسَدُ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ تَامًّا وُمُخْدَجًا، وَمِنْهُ مُدَّةُ وِلَادَتِهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، فَمَا زَادَ عَلَيْهَا إِلَى سَنَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَى أَرْبَعٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَإِلَى خَمْسٍ عِنْدَ مَالِكٍ. وَقِيلَ: إِنَّ الضَّحَّاكَ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ، وَهَرَمَ بْنَ حِبَّانَ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ هَرَمًا وَمِنْهُ الدَّمُ فَإِنَّهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ. وَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرِيَّةً فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَعْلَمُ حَمْلَ كُلِّ أُنْثَى، وَيَعْلَمُ غَيْضَ الْأَرْحَامِ وَازْدِيَادَهَا، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَوْقَاتِهِ وَأَحْوَالِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ غُيُوضُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَزِيَادَتُهُ، فَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى الْأَرْحَامِ وَهُوَ لِمَا فِيهَا، عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُ الْحَسَنِ:
الْغَيْضُوضَةُ أَنْ يَقَعَ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَالِازْدِيَادُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَعَنْهُ:
الْغَيْضُ الَّذِي يَكُونُ سَقْطًا لِغَيْرِ تَمَامٍ، وَالِازْدِيَادُ وَلَدُ التَّمَامِ انْتَهَى. وَهُوَ جَمْعُ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ مُفَرَّقًا. وَبِمِقْدَارٍ يُقَدَّرُ، وَيُطْلَقُ الْمِقْدَارُ عَلَى الْقَدْرِ، وَعَلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ الشَّيْءُ.
وَالظَّاهِرُ عُمُومُ قَوْلِهِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ، أَيْ: بِحَدٍّ لَا يَتَجَاوَزُهُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ أَيْ: بِقَدْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مِنَ الْغَيْضِ وَالِازْدِيَادِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ. وَقِيلَ: صِحَّةُ الْجَنِينِ

(١) سورة الكهف: ١٨/ ٢٥.


الصفحة التالية
Icon