وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ «١» وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ «٢» وَقَوْلُ ذَلِكَ الَّذِي أُحْرِقَ وَذُرِيَ فِي الْبَحْرِ: «لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ» أَيْ لَئِنْ ضَيَّقَ. وَقِيلَ: يَقْدِرُ يُعْطِي بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ.
وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَيَقْدُرُ بِضَمِّ الدَّالِّ، حَيْثُ وَقَعَ وَالضَّمِيرُ فِي فَرِحُوا عَائِدٌ عَلَى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ، وَهُوَ اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ عَنْ جَهْلِهِمْ بِمَا أُوتُوا مِنْ بَسْطَةِ الدُّنْيَا عَلَيْهِمْ، وَفَرَحُهُمْ فَرَحُ بَطَرٍ وَبَسْطٍ لَا فَرَحُ سُرُورٍ بِفَضْلِ اللَّهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُقَابِلُوهُ بِالشُّكْرِ حَتَّى يَسْتَوْجِبُوا نَعِيمَ الْآخِرَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ بِهِ، وَاسْتَجْهَلَهُمْ بِهَذَا الْفَرَحِ إِذْ هُوَ فَرَحٌ بِمَا يَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ وَيَنْقَضِي.
وَيَبْعُدُ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى صِلَاتٍ. وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ أَيْ: يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. ومتاع: مَعْنَاهُ ذَاهِبٌ مُضْمَحِلٌّ يَسْتَمْتِعُ بِهِ قَلِيلًا ثُمَّ يَفْنَى. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

تَمَتَّعْ يَا مُشَعَّثُ إِنَّ شَيْئًا سَبَقْتَ بِهِ الْمَمَاتَ هُوَ الْمَتَاعُ
وَقَالَ آخَرُ:
أَنْتَ نِعْمَ الْمَتَاعُ لَوْ كُنْتَ تَبْقَى غَيْرَ أَنْ لَا بَقَاءَ لِلْإِنْسَانِ
وَقَالَ آخَرُ:
تَمَتَّعْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ فَانٍ مِنَ النَّشَوَاتِ وَالنِّسَاءِ الْحِسَانِ
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: خُفِيَ عَلَيْهِمْ أَنَّ نَعِيمَ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ لَيْسَ إِلَّا شَيْئًا نَذْرًا، يَتَمَتَّعُ بِهِ كَعُجَالَةِ الرَّاكِبِ، وَهُوَ مَا يَتَعَجَّلُهُ مِنْ تُمَيْرَاتٍ أَوْ شَرْبَةِ سَوِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ: أعلم اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَةِ نَذْرٌ لَيْسَ يَتَمَتَّعُ بِهِ كَعُجَالَةِ الرَّاكِبِ، وَهُوَ مَا يَتَعَجَّلُهُ مِنْ تُمَيْرَاتٍ أَوْ شَرْبَةِ سَوِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: زَادٌ كَزَادِ الرَّعْيِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَلِيلٌ ذَاهِبٌ مِنْ مَتَعَ النَّهَارُ إِذَا ارْتَفَعَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ زَوَالٍ.
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ. الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ: نَزَلَتْ: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا، فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، طَلَبُوا مِثْلَ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ. وَالْمُلْتَمِسُ ذَلِكَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي أُمَيَّةَ وَأَصْحَابُهُ، رَدَّ تَعَالَى
(١) سورة الطلاق: ٦٥/ ٧.
(٢) سورة الأنبياء: ٢١/ ٨٧.


الصفحة التالية
Icon