وَكَأَنَّهُ قَدَّرَ يَاءَ الْإِضَافَةِ سَاكِنَةً، وَقَبْلَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ فَحَرَّكَهَا بِالْكَسْرِ لِمَا عَلَيْهِ أَصْلُ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ يَاءَ الْإِضَافَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا مَفْتُوحَةً حَيْثُ قَبْلَهَا أَلِفٌ نَحْوَ:
عَصَايَ فَمَا بَالُهَا، وقبلها باء. (فَإِنْ قُلْتَ) : جَرَتِ الْيَاءُ الْأُولَى مَجْرَى الْحُرِّ الصَّحِيحِ لِأَجْلِ الْإِدْغَامِ، كَأَنَّهَا يَاءٌ وَقَعَتْ سَاكِنَةً بَعْدَ حَرْفٍ صَحِيحٍ سَاكِنٍ، فَحُرِّكَتْ بِالْكَسْرِ عَلَى الْأَصْلِ.
(قُلْتُ) : هَذَا قِيَاسٌ حَسَنٌ، وَلَكِنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْمُسْتَفِيضَ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ تَتَضَاءَلُ إِلَيْهِ الْقِيَاسَاتُ انْتَهَى. أَمَّا قَوْلُهُ: وَاسْتَشْهَدُوا لَهَا بِبَيْتٍ مَجْهُولٍ، قَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِلْأَغْلَبِ الْعِجْلِيِّ، وَهِيَ لُغَةٌ بَاقِيَةٌ فِي أَفْوَاهِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْيَوْمِ، يَقُولُ الْقَائِلُ: مَا فِيِّ أَفْعَلُ كَذَا بِكَسْرِ الْيَاءِ. وَأَمَّا التَّقْدِيرُ الَّذِي قَالَ: فَهُوَ تَوْجِيهُ الْفَرَّاءِ، ذَكَرَهُ عَنْهُ الزَّجَّاجُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ، فِي غُضُونِ كَلَامِهِ حَيْثُ قَبْلَهَا أَلِفٌ، فَلَا أَعْلَمُ حَيْثُ يُضَافُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمُصَدَّرَةِ بِالظَّرْفِ نَحْوَ: قَعَدَ زَيْدٌ حَيْثُ أَمَامَ عُمَرَ وَبَكْرٍ، فَيَحْتَاجُ هَذَا التَّرْكِيبُ إِلَى سَمَاعٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:
لِأَنَّ يَاءَ الْإِضَافَةِ إِلَى آخِرِهِ، قَدْ رَوَى سُكُونَ الْيَاءِ بَعْدَ الْأَلِفِ. وَقَرَأَ بِذَلِكَ الْقُرَّاءُ نَحْوَ:
مَحْيَايَ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذَكَرْنَا مِنَ النُّحَاةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ. وَاقْتَفَى آثَارَهُمْ فِيهَا الْخَلَفُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهَا: إِنَّهَا خَطَأٌ، أَوْ قَبِيحَةٌ، أَوْ رَدِيئَةٌ، وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَة أَنَّهَا لُغَةٌ، لَكِنَّهُ قَلَّ اسْتِعْمَالُهَا. وَنَصَّ قُطْرُبٌ عَلَى أَنَّهَا لُغَةٌ فِي بَنِي يَرْبُوعٍ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ وَهُوَ مِنْ رُؤَسَاءِ النَّحْوِيِّينَ الْكُوفِيِّينَ: هِيَ صَوَابٌ، وَسَأَلَ حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ وَذَكَرَ تَلْحِينَ أَهْلِ النَّحْوِ فَقَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا تُبَالِي إِلَى أَسْفَلِ حَرَكَتِهَا، أَوْ إِلَى فَوْقُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ بِالْخَفْضِ حَسَنَةٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ.
وَلَيْسَتْ عِنْدَ الْإِعْرَابِ بِذَلِكَ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى إِنْكَارِ أَبِي حَاتِمٍ عَلَى أَبِي عَمْرٍو تَحْسِينَهَا، فَأَبُو عَمْرٍو إِمَامُ لُغَةٍ، وَإِمَامُ نَحْوٍ، وَإِمَامُ قِرَاءَةٍ، وَعَرَبِيٌّ صَرِيحٌ، وَقَدْ أَجَازَهَا وَحَسَّنَهَا، وَقَدْ رَوَوْا بَيْتَ النَّابِغَةِ:

عَلَيِّ لِعَمْرٍو نِعْمَةٌ بَعْدَ نِعْمَةٍ لِوَالِدِهِ لَيْسَتْ بِذَاتِ عَقَارِبَ
بِخَفْض الْيَاء مِنْ عليّ.
وما فِي بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مَصْدَرِيَّةٌ، ومن قَبْلُ مُتَعَلِّقٌ بِأَشْرَكْتُمُونِي أَيْ:
كَفَرْتُ الْيَوْمَ بِإِشْرَاكِكُمْ إِيَّايَ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْيَوْمِ أَيْ: فِي الدُّنْيَا، كَقَوْلِهِ: إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ «١» وَقَالَ: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ. وقيل: موصولة
(١) سورة الممتحنة: ٦٠/ ٤.


الصفحة التالية
Icon