شُكْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ، فَهُوَ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ ثُمَّ حُذِفَتْ، وَإِذَا لَمْ يُقَدَّرْ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ فَالْبَاءُ دَخَلَتْ عَلَى نِعْمَةِ ثُمَّ حُذِفَتْ. وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ أَيْ: مَنْ تَابَعَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ. وَزَعَمَ الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَنْ كُفْرًا هُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لَبَدَّلُوا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ بَدَّلَ مِنْ أَخَوَاتِ اخْتَارَ، فَالَّذِي يُبَاشِرُهُ حَرْفُ الْجَرِّ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي، وَالَّذِي يَصِلُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ لَا بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْجَرِّ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ. وَأَعْرَبَ الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ: جَهَنَّمُ بَدَلًا مِنْ دَارِ الْبَوَارِ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ عَطْفُ بَيَانٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِحْلَالُ فِي الْآخِرَةِ. وَدَارُ الْبَوَارِ جَهَنَّمُ، وَقَالَهُ:
ابْنُ زَيْدٍ.
وَقِيلَ: عَنْ عَلِيٍّ يَوْمَ بَدْرٍ
، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: نَزَلَتْ فِي قَتْلَى بَدْرٍ، فَيَكُونُ دَارُ الْبَوَارِ أَيِ: الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا كَقَلِيبِ بَدْرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهِ. وَعَلَى هَذَا أَعْرَبَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْبَقَاءِ: جَهَنَّمَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ أَيْ: يَصْلَوْنَ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قِرَاءَةُ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ: جَهَنَّمُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَهَنَّمُ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ محذوف، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى، لِأَنَّ النَّصْبَ عَلَى الِاشْتِغَالِ مَرْجُوحٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يُرَجِّحُهُ، وَلَا مَا يَكُونُ مُسَاوِيًا، وَجُمْهُورُ الْقُرَّاءِ عَلَى النَّصْبِ. وَلَمْ يكونوا ليقرأوا بِغَيْرِ الرَّاجِحِ أَوِ الْمُسَاوِي، إِذْ زَيْدٌ ضَرَبْتَهُ أَفْصَحُ مِنْ زَيْدًا ضَرَبْتُهُ، فَلِذَلِكَ كَانَ ارْتِفَاعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ رَاجِحًا، وَعَلَى تَأْوِيلِ الِاشْتِغَالِ يَكُونُ يَصْلَوْنَهَا لَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ جَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ جَهَنَّمَ، أَوْ حَالًا مِنْ دَارِ الْبَوَارِ، أَوْ حَالًا مَنْ قَوْمِهِمْ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ:
وَبِئْسَ الْقَرَارُ هِيَ أَيْ: جَهَنَّمُ. وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا أَيْ زَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ نِعْمَتَهُ أَنْ صَيَّرُوا لَهُ أَنْدَادًا وَهِيَ الْأَصْنَامُ الَّتِي اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عُمَرَ: وَلِيَضِلُّوا هنا، ولِيُضِلَّ «١» فِي الْحَجِّ وَلُقْمَانَ وَالرُّومِ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِضَمِّهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ لَامُ الصَّيْرُورَةِ وَالْمَآلِ. لَمَّا كَانَتْ نَتِيجَةُ جَعْلِ الْأَنْدَادِ آلِهَةً الضَّلَالَ أَوِ الْإِضْلَالَ، جَرَى مَجْرَى لَامِ الْعِلَّةِ فِي قَوْلِكَ: جِئْتُكَ لِتُكْرِمَنِي، عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ. وَقِيلَ: قِرَاءَةُ الْفَتْحِ لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لَامَ الْعَاقِبَةِ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَتَحْتَمِلُ الْعَاقِبَةَ. وَالْعِلَّةُ وَالْأَمْرُ بِالتَّمَتُّعِ أَمْرُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ «٢» قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَمَتَّعُوا إِيذَانٌ بِأَنَّهُمْ لِانْغِمَاسِهِمْ فِي التَّمَتُّعِ بِالْحَاضِرِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ وَلَا يُرِيدُونَهُ، مَأْمُورُونَ بِهِ، قَدْ أَمَرَهُمْ آمِرٌ مُطَاعٌ لَا يَسَعُهُمْ أن يخالفوه، ولا

(١) سورة الحج: ٢٢/ ٩ وسورة لقمان: ٣١/ ٦. [.....]
(٢) سورة الزمر: ٣٩/ ٤٠.


الصفحة التالية
Icon