خَلِيفَتَنَا جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا عَنِ الْإِسْلَامِ وَالسَّعْيِ الْكَرِيمِ
فَحَقُّ جِهَادِهِ جَاهَدْتَ فِيهِ إِلَى أَنْ فُزْتَ بِالْفَتْحِ الْعَظِيمِ
وَصَيَّرْتَ الْأَنَامَ بِحُسْنِ هَدْيٍ عَلَى نَهْجِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ
فَجَاهِدْ فِي أُنَاسٍ قَدْ أَضَلُّوا طَرِيقَ الشَّرْعِ بِالْعِلْمِ الْقَدِيمِ
وَحَرِّقْ كُتْبَهُمْ شَرْقًا وَغَرْبًا فَفِيهَا كَامِنًا شَرُّ الْعُلُومِ
يَدُبُّ إِلَى الْعَقَائِدِ مِنْ أَذَاهَا سُمُومٌ وَالْعَقَائِدُ كَالْجُسُومِ
وَفِي أَمْثَالِهَا إِذْ لَا دَوَاءَ يَكُونُ السَّيْفُ تِرْيَاقَ السُّمُومِ
وَقَالَ:
يَا وَحْشَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ فِرْقَةٍ شَاغِلَةً أَنْفُسَهَا بِالسَّفَهْ
قَدْ نَبَذَتْ دِينَ الْهُدَى خَلْفَهَا وَادَّعَتِ الْحِكْمَةَ وَالْفَلْسَفَهْ
وَقَالَ:
قَدْ ظَهَرَتْ فِي عَصْرِنَا فِرْقَةٌ ظُهُورُهَا شُؤْمٌ عَلَى الْعَصْرِ
لَا تَقْتَدِي فِي الدِّينِ إِلَّا بِمَا سَنَّ ابْنُ سِينَا أَوْ أَبُو نَصْرِ
وَلَمَّا حَلَلْتُ بِدِيَارِ مِصْرَ وَرَأَيْتُ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا يَشْتَغِلُونَ بِجَهَالَاتِ الْفَلَاسِفَةِ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ أَحَدٌ تَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ كُنَّا نَشَأْنَا فِي جَزِيرَةِ الأندلس على التبرؤ مِنْ ذَلِكَ وَالْإِنْكَارِ لَهُ، وَأَنَّهُ إِذَا بِيعَ كِتَابٌ فِي الْمَنْطِقِ إِنَّمَا يُبَاعُ خُفْيَةً، وَأَنَّهُ لَا يَتَجَاسَرُ أَنْ يَنْطِقَ بِلَفْظِ الْمَنْطِقِ، إِنَّمَا يُسَمُّونَهُ الْمَفْعِلَ، حَتَّى أَنَّ صَاحِبَنَا وَزِيرَ الْمَلِكِ ابْنِ الْأَحْمَرِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفَ بِابْنِ الْحَكِيمِ كَتَبَ إِلَيْنَا كِتَابًا مِنَ الْأَنْدَلُسِ يَسْأَلُنِي أَنْ أَشْتَرِيَ أَوْ أَسْتَنْسِخَ كِتَابًا لِبَعْضِ شُيُوخِنَا فِي الْمَنْطِقِ، فَلَمْ يَتَجَاسَرْ أَنْ يَنْطِقَ بِالْمَنْطِقِ وَهُوَ وَزِيرٌ، فَسَمَّاهُ فِي كِتَابِهِ لِي بِالْمَفْعِلِ. وَلَمَّا أُلْبِسَتْ وُجُوهُهُمُ السَّوَادَ قَالَ: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ، وَلَمَّا كَانَتْ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ نِهَايَةً فِي السَّوَادِ شُبِّهَ سَوَادُ وُجُوهِهِمْ بِقِطَعٍ مِنَ اللَّيْلِ حَالَ اشْتِدَادِ ظُلْمَتِهِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ قِطْعًا بِسُكُونِ الطَّاءِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَقْطُوعِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ فِي قَوْلِهِ: بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، بِسَوَادٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: الْقِطْعُ ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: طَائِفَةٌ مِنَ اللَّيْلِ. وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ قَوْلُهُ: مُظْلِمًا صِفَةً لِقَوْلِهِ:
قِطَعًا، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: كَأَنَّمَا تَغْشَى وُجُوهَهُمْ قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمٌ. وَقَرَأَ ابْنُ


الصفحة التالية
Icon