في الطاعة والخير، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ بِالْمَعْصِيَةِ وَالشَّرِّ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: فِي صُفُوفِ الحرب، والمستأخرين فيها. وَقِيلَ: مَنْ قُتِلَ فِي الْجِهَادِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ مَنْ لَمْ يُقْتَلْ. وَقِيلَ: فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ بِسَبَبِ النِّسَاءِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِنَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُتَقَاعِسِينَ عَنْهُ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَلَى التَّمْثِيلِ لَا عَلَى الْحَصْرِ، وَالْمَعْنَى: إنه تعالى محيط علمه بِمَنْ تَقَدَّمَ وَبِمَنْ تَأَخَّرَ وَبِأَحْوَالِهِمْ، ثُمَّ أَعْلَمَ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْشُرُهُمْ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: يَحْشِرُهُمْ بِكَسْرِ الشِّينِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَأَبُو الْحَوْرَاءِ: كَانَتْ تُصَلِّي وَرَاءَ الرَّسُولِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ، فَبَعْضٌ يَتَقَدَّمُ لِئَلَّا تَفْتِنَهُ وَبَعْضٌ يَتَأَخَّرُ لِيَسْرِقَ النَّظَرَ إِلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمْ.
وَفَصَلَ هَذِهِ الْآيَةَ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ فِي غاية المناسبة.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٦ الى ٤٤]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)
إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥)
قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)
قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)
لَمَّا نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى مُنْتَهَى الْخَلْقِ وَهُوَ الْحَشْرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَا يَسْتَقِرُّونَ فِيهِ، نَبَّهَّهُمْ عَلَى مَبْدَأِ أَصْلِهِمْ آدَمَ، وَمَا جَرَى لِعَدُوِّهِ إِبْلِيسَ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى.


الصفحة التالية
Icon