الْمُطَابَقَةُ، لِأَنَّ سُجَّدًا جَمْعٌ فَطَابَقَهُ جَمْعُ الشَّمَائِلِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ، فَحَصَلَ فِي الْآيَةِ مُطَابَقَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى، وَلَحْظُهُمَا مَعًا وَتِلْكَ الْغَايَةُ فِي الْإِعْجَازِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ حَمْلُ الظِّلَالِ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ وَقَعَ كَلَامُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالُوا: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَنْتَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْقِبْلَةِ كَانَ الظِّلُّ قُدَّامَكَ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ كَانَ عَلَى يَمِينِكَ، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ خَلْفَكَ فَإِذَا أرادت الْغُرُوبَ كَانَ عَلَى يَسَارِكَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الظِّلَالُ هُنَا الْأَشْخَاصُ وَهِيَ الْمُرَادَةُ نَفْسُهَا، وَالْعَرَبُ تُخْبِرُ أَحْيَانًا عَنِ الْأَشْخَاصِ بِالظِّلَالِ. وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ:

إِذَا نَزَلْنَا نَصَبْنَا ظِلَّ أَخْبِيَةٍ وَفَارَ لِلْقَوْمِ بِاللَّحْمِ الْمَرَاجِيلُ
وَإِنَّمَا تُنْصَبُ الْأَخْبِيَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَتْبَعُ أَفْيَاءَ الظِّلَالِ عَشِيَّةً أَيْ: أَفْيَاءَ الْأَشْخَاصِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا كُلُّهُ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ صَرِيحٍ، وَإِنْ كَانَ أَبُو عَلِيٍّ قَرَّرَهُ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّجُودَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الِانْقِيَادِ، وَجَرَيَانِهَا عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ مَيَلَانِ تِلْكَ الظِّلَالِ وَدَوَرَانِهَا كَمَا يُقَالُ لِلْمُشِيرِ بِرَأْسِهِ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى جِهَةِ الْخُضُوعِ: سَاجِدٌ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سُجَّدًا حَالٌ مِنَ الظِّلَالِ، وَهُمْ دَاخِرُونَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي ظِلَالُهُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، وَهُوَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ لَهُ ظِلٌّ. وَجُمِعَ بِالْوَاوِ لِأَنَّ الدُّخُورَ مِنْ أَوْصَافِ الْعُقَلَاءِ، أَوْ لِأَنَّ فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ مَنْ يَعْقِلُ فَغُلِّبَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الظِّلَالَ مُنْقَادَةٌ لِلَّهِ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ عَلَيْهِ فِيمَا سَخَّرَهَا لَهُ مِنَ التَّفَيُّؤِ وَالْإِجْرَامِ في أنفسها. ذاخرة أَيْضًا صَاغِرَةٌ مُنْقَادَةٌ لِأَفْعَالِ اللَّهِ فِيهَا لَا تَمْتَنِعُ انْتَهَى. فَغَايَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، جَعَلَ سُجَّدًا حَالًا من الظلال، ووهم دَاخِرُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي سُجَّدًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا ثَانِيَةً مِنَ الظِّلَالِ كَمَا تَقُولُ: جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا وَهُوَ ضَاحِكٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَهُوَ ضَاحِكٌ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي رَاكِبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ زَيْدٍ، وَهَذَا الثَّانِي عِنْدِي أَظْهَرُ، وَالْعَامِلُ فِي الْحَالَيْنِ هُوَ تَتَفَيَّؤُ، وعن مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وَقَالَهُ الْحَوْفِيُّ. وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَقَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ. وَقِيلَ: عَنِ اسْمِ أَيْ: جَانِبِ الْيَمِينِ، فَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِ. وَأَمَّا مَا أَجَازَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُمْ دَاخِرُونَ، حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي ظِلَالِهِ، فَعَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لَا يَجُوزُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ جَاءَنِي غُلَامُ هِنْدٍ ضَاحِكَةً، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُضَافُ جُزْءًا أَوْ كَالْجُزْءِ جَازَ، وَقَدْ يُخْبِرُ هُنَا وَيَقُولُ: الظِّلَالُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جُزْءًا مِنَ الْأَجْرَامِ فَهِيَ كَالْجُزْءِ، لأن وجودها ناشىء عَنْ


الصفحة التالية
Icon