صَاحِبُ الْغَنِيَّانِ: وَهَذَا وَإِنْ كان يعتبر إِدْرَاكُهُ حَقِيقَةً، إِلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ الْمُبَالَغَةُ عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ وَأَرْبَابِ النَّظْمِ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْأَبْلَهِ الشَّاعِرِ فِي الْمَعْنَى:
قَالَ لَهُ الْبَرْقُ وَقَالَتْ لَهُ الرِّيحُ | جَمِيعًا وَهُمَا مَا هُمَا |
أَأَنْتَ تَجْرِي مَعَنَا قَالَ إِنْ | نَشِطْتُ أَضْحَكْتُكُمَا مِنْكُمَا |
أَنَا ارْتِدَادُ الطَّرْفِ قَدْ فُتُّهُ | إِلَى الْمَدَى سَبْقًا فَمَنْ أَنْتُمَا |
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَذْفُ الْهَمْزَةِ رديء، وَلَكِنَّ قِرَاءَةَ ابْنِ أُبَيٍّ أَصْوَبُ انْتَهَى. وَإِنَّمَا كَانَتْ أَصْوَبَ لِأَنَّ كَسْرَ الْمِيمِ إِنَّمَا هُوَ لِإِتْبَاعِهَا حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ، فَإِذَا كَانَتِ الْهَمْزَةُ مَحْذُوفَةً زَالَ الْإِتْبَاعُ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ أَقَرَّ الْمِيمَ عَلَى حركتها. ولا تَعْلَمُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ: غَيْرُ عَالِمِينَ. وَقَالُوا: لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا مِمَّا أُخِذَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمِيثَاقِ فِي أَصْلَابِ آبَائِكُمْ، أَوْ شَيْئًا مِمَّا قَضَى عَلَيْكُمْ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ، أَوْ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِكُمْ. وَالْأَوْلَى عُمُومُ لَفْظِ شَيْءٍ، وَلَا سِيَّمَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ. وَقَالَ وَهْبٌ: يُولَدُ الْمَوْلُودُ حَذِرًا إِلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ لَا يُدْرِكُ رَاحَةً وَلَا أَلَمًا. وَيَحْتَمِلُ وَجَعَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى أَخْرَجَكُمْ، فَيَكُونُ وَاحِدًا فِي حَيِّزِ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافَ إِخْبَارٍ مَعْطُوفًا عَلَى الْجُمْلَةِ الِابْتِدَائِيَّةِ كَاسْتِئْنَافِهَا.
وَالْمُرَادُ بِالسَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ إِحْسَاسُهَا وَإِدْرَاكُهَا، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْآيَةِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّمَا جَمَعَ الْفُؤَادَ جَمْعَ قِلَّةٍ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا خُلِقَ لِلْمَعَارِفِ الْحَقِيقِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ، وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ مَشْغُولُونَ بِالْأَفْعَالِ الْبَهِيمِيَّةِ، فَكَانَ فُؤَادُهُمْ لَيْسَ بِفُؤَادٍ، فَلِذَلِكَ ذَكَرَ فِي جَمْعِهِ جَمْعَ الْقِلَّةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَهُوَ قَوْلٌ هَذَيَانِيٌّ، وَلَوْلَا جَلَالَةُ قَائِلِهِ وَتَسْطِيرُهُ فِي الْكُتُبِ مَا ذَكَرْتُهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي هَذَا مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَنَّهُ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ الَّتِي جَرَتْ مَجْرَى