وَبَسْطِهِنَّ وَوُقُوفِهِنَّ إِلَّا اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ انْتَهَى. لَآيَاتٍ: جَمَعَ وَلَمْ يُفْرِدْ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ خِفَّةُ الطَّائِرِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِيهِ لِأَنْ يَرْتَفِعَ بِهَا، وَثِقْلُهُ الَّذِي جَعَلَهُ فِيهِ لِأَنْ يَنْزِلَ، وَالْفَضَاءُ الَّذِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْإِمْسَاكُ الَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا وَقَالَ: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالِاعْتِبَارِ، وَلِتَضَمُّنِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُسَخِّرَ وَالْمُمْسِكَ لَهَا هُوَ اللَّهُ، فَهُوَ إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى مَا يُصَدِّقُ بِهِ إِلَّا الْمُؤْمِنُ.
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ: لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ خَلْقِهِمْ، وَمَا خَلَقَ لَهُمْ مِنْ مَدَارِكِ الْعِلْمِ، ذَكَرَ مَا امْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مِمَّا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي حَيَاتِهِمْ مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْ دَوَابِّهِمْ مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا، مِنَ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْأَخْشَابِ وَغَيْرِهَا. وَالسَّكَنُ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَالْقَنْصِ، وَالنَّقْصِ. وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:
جَاءَ الشِّتَاءُ وَلَمَّا أَتَّخِذْ سَكَنًا | يَا وَيْحَ نَفْسِيَ مِنْ حَفْرِ الْقَرَامِيصِ |
وَمَعْنَى تَسْتَخِفُّونَهَا: تَجِدُونَهَا خَفِيفَةَ الْمَحْمَلِ فِي الضَّرْبِ وَالنَّقْضِ وَالنَّقْلِ. يَوْمَ ظَعْنِكُمْ: يَوْمَ تَرْحَلُونَ خَفَّ عَلَيْكُمْ حَمْلُهَا وَنَقْلُهَا، وَيَوْمَ تَنْزِلُونَ وَتُقِيمُونَ فِي مَكَانٍ لَمْ يَثْقُلْ عَلَيْكُمْ ضَرْبُهَا.
وَقَدْ يُرَادُ بِالِاسْتِخْفَافِ فِي وَقْتَيِ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَيْ: مُدَّةَ النُّجْعَةِ وَالْإِقَامَةِ. وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ وَأَبُو عَمْرٍو: ظَعَنِكِمْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِسُكُونِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَلَيْسَ السُّكُونُ بِتَخْفِيفٍ كَمَا جَاءَ فِي نَحْوِ الشَّعَرُ وَالشَّعْرُ لِمَكَانِ حَرْفِ الْحَلْقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَثَاثًا مَفْعُولٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَجَعَلَ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا. وَقِيلَ: أَثَاثًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ عَلَى