وَيَتَخَرَّجُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَخَبَرُ هُوَ قَوْلُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَا فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مِنَ الْفِعْلِ، وَنَظِيرُهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ «١» بِنَصْبِ مَطْوِيَّاتٍ. وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

رَهْطُ ابن كوز محقي أَدْرَاعِهِمْ فِيهِمْ وَرَهْطُ رَبِيعَةَ بْنِ حِذَارِ
وَتَقْدِيمُ الْحَالِ عَلَى الْعَامِلِ فِيهِ مِنَ الظَّرْفِ أَوِ الْمَجْرُورِ لَا يَجُوزُ إِلَّا عِنْدَ الْأَخْفَشِ، وَمَنْ مَنَعَ جَعَلَهُ مَنْصُوبًا عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي وَشِفَاؤُهُ كَوْنُهُ مُزِيلًا لِلرَّيْبِ كَاشِفًا عَنْ غِطَاءِ الْقَلْبِ بِفَهْمِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْأُمُورِ الدَّالَّةِ عَلَى اللَّهِ الْمُقَرِّرَةِ لِدِينِهِ، فَصَارَ لِعِلَّاتِ الْقُلُوبِ كَالشِّفَاءِ لِعِلَّاتِ الْأَجْسَامِ.
وَقِيلَ: شِفَاءٌ بِالرُّقَى وَالْعَوْذِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الَّذِي رَقِيَ بِالْفَاتِحَةِ مِنْ لَسْعَةِ الْعَقْرَبِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي النُّشْرَةِ وَهُوَ أَنْ يُكْتَبَ شَيْءٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُمْسَحُ بِهِ الْمَرِيضُ أَوْ يُسْقَاهُ، فَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَلَمْ يَرَهُ مُجَاهِدٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ: كَانَتْ تَقْرَأُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ تَأْمُرُ أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْمَرِيضِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِنِيُّ: النُّشْرَةُ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ التَّعْزِيمِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تنشر عن صاحبها أَيْ تَحُلُّ، وَمَنَعَهَا الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ النُّشْرَةِ: «هِيَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ».
وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ خَارِجَةً عَمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ الرَّسُولِ، وَالنُّشْرَةُ مِنْ جِنْسِ الطِّبِّ فِي غُسَالَةِ شَيْءٍ لَهُ فَضْلٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِتَعْلِيقِ الْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَعْنَاقِ الْمَرْضَى عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ بِهَا إِذَا لَمْ يُرِدُ مُعَلِّقُهَا بِذَلِكَ مُدَافَعَةَ الْعَيْنِ، وَهَذَا مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَيْنِ أَمَّا بَعْدُ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَيَجُوزُ رَجَاءَ الْفَرَجِ وَالْبُرْءِ وَالْمَرَضُ كَالرُّقَى الْمُبَاحَةِ الَّتِي وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِهَا مِنَ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْعُوذَةِ فِي قَصَبَةٍ أَوْ رُقْعَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَيَضَعُهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَعِنْدَ الْغَائِطِ،
وَرَخَّصَ الْبَاقِرُ فِي الْعُوذَةِ تُعَلَّقُ عَلَى الصِّبْيَانِ
وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالشَّيْءِ مِنَ الْقُرْآنِ يُعَلِّقُهُ الْإِنْسَانُ.
وَخَسَارُ الظَّالِمِينَ وَهُمُ الَّذِينَ يَضَعُونَ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ هُوَ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ وَعَدَمِ تَدَبُّرِهِ بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَزْدَادُ بِالنَّظَرِ فِيهِ وَتَدَبُّرِ مَعَانِيهِ إِيمَانًا.
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
(١) سورة الزمر: ٣٩/ ٦٧.


الصفحة التالية
Icon