يَقْرِضُهُمُ الْكَهْفُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا لَا تُصِيبُهُمُ الشَّمْسُ أَلْبَتَّةَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّهَا كَانَتِ الشَّمْسُ بِالْعَشِيِّ تَنَالُهُمْ بِمَا فِي مَسِّهَا صَلَاحٌ لِأَجْسَامِهِمْ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَعَ الشَّمْسِ تَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ حَاجِبٌ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ، وَحَاجِبٌ مِنْ جِهَةِ الدَّبُورِ، وَهُمْ فِي زَاوِيَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسلم: كَانَ بَابُ الْكَهْفِ يَنْظُرُ إِلَى بَنَاتِ نَعْشٍ وَعَلَى هَذَا كَانَ أَعْلَى الْكَهْفِ مَسْتُورًا مِنَ الْمَطَرِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَانَ كَهْفُهُمْ مُسْتَقْبِلَ بَنَاتِ نَعْشٍ لَا تَدْخُلُهُ الشَّمْسُ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَلَا عِنْدَ الْغُرُوبِ، اخْتَارَ اللَّهُ لَهُمْ مَضْجَعًا مُتَّسَعًا فِي مَقْنَاةٍ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ فَتُؤْذِيَهِمْ وَتَدْفَعُ عَنْهُمْ كُرْبَةَ الْغَارِ وَغُمُومَهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ فِي ظِلِّ نَهَارِهِمْ كُلِّهِ لَا تُصِيبُهُمُ الشَّمْسُ فِي طُلُوعِهَا وَلَا غُرُوبِهَا مَعَ أَنَّهُمْ فِي مَكَانٍ وَاسِعٍ مُنْفَتِحٍ مُعَرَّضٍ لِإِصَابَةِ الشَّمْسِ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ يَحْجُبُهَا عَنْهُمُ انْتَهَى. وَهُوَ بَسْطُ قَوْلِ الزَّجَّاجِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: فِعْلُ الشَّمْسِ آيَةٌ مِنْ آياتِ اللَّهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ بَابُ الْكَهْفِ إِلَى جِهَةٍ تُوجِبُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: مَعْنَى تَقْرِضُهُمْ تُعْطِيهِمْ مِنْ ضَوْئِهَا شَيْئًا ثُمَّ تَزُولُ سَرِيعًا كَالْقَرْضِ يُسْتَرَدُّ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ أَنَّ الشَّمْسَ تَمِيلُ بِالْغَدْوَةِ وَتُصِيبُهُ بِالْعَشِيِّ إِصَابَةً خَفِيفَةً انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ مِنَ الْقَرْضِ الَّذِي يُعْطَى ثُمَّ يُسْتَرَدُّ لَكَانَ الْفِعْلُ رُبَاعِيًّا فَكَانَ يَكُونُ تُقْرِضُهُمْ بِالتَّاءِ مَضْمُومَةً. لَكِنَّهُ مِنَ الْقَطْعِ، وَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ تُقْرِضُ لَهُمْ أَيْ تَقْطَعُ لَهُمْ مِنْ ضَوْئِهَا شَيْئًا.
قِيلَ: وَلَوْ كَانَتِ الشَّمْسُ لَا تُصِيبُ مَكَانَهُمْ أَصْلًا لَكَانَ يَفْسُدُ هَوَاؤُهُ وَيَتَعَفَّنُ مَا فِيهِ فَيَهْلِكُوا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى دَبَّرَ أَمْرَهُمْ فَأَسْكَنَهُمْ مَسْكَنًا لَا يَكْثُرُ سُقُوطُ الشَّمْسِ فِيهِ فَيَحْمِي، وَلَا تَغِيبُ عَنْهُ غَيْبُوبَةً دَائِمَةً فَيَعْفَنُ. وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى مَا صَنَعَهُ تَعَالَى بِهِمْ مِنَ ازْوِرَارِ الشَّمْسِ وَقَرْضِهَا طَالِعَةً وَغَارِبَةً آيَةٌ مِنْ آيَاتِهِ يَعْنِي أَنَّ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ السَّمْتِ تُصِيبُهُ الشَّمْسُ وَلَا تُصِيبُهُمُ اخْتِصَاصًا لَهُمْ بِالْكَرَامَةِ، وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَقْبِلَ بَنَاتِ نَعْشٍ بِحَيْثُ كَانَ لَهُ حَاجِبٌ مِنَ الشَّمْسِ كَانَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ حَدِيثَهُمْ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَهُوَ هِدَايَتُهُمْ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَإِخْرَاجُهُمْ مِنْ بَيْنِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَإِيوَاؤُهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْكَهْفِ، وَحِمَايَتُهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَإِلْقَاءُ الْهَيْبَةِ عَلَيْهِمْ، وَصَرْفُ الشَّمْسِ عَنْهُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لِئَلَّا تَفْسَدَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنَامَتُهُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، وَصَوْنُهُمْ مِنَ الْبِلَى وَثِيَابُهُمْ مِنَ التَّمَزُّقِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَهُوَ لَفْظٌ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ مَا سَبَقَ نِسْبَتُهُمْ وَهُمْ أَهْلُ الْكَهْفِ، وَمَنْ يُضْلِلْ عَامٌّ أَيْضًا مِثْلَ دِقْيَانُوسَ الْكَافِرِ وَأَصْحَابِهِ، وَالْخِطَابُ فِي وَتَحْسَبُهُمْ وَفِي وَتَرَى الشَّمْسَ لِمَنْ قُدِّرَ لَهُ أَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ. قِيلَ: كَانُوا مُفَتَّحَةً أَعْيُنُهُمْ وَهُمْ نِيَامٌ فَيَحْسَبُهُمُ النَّاظِرُ مُنْتَبِهِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ


الصفحة التالية
Icon