نَهَراً وَانْتَصَبَ خِلالَهُما عَلَى الظَّرْفِ أَيْ وَسَطَهُمَا، كَانَ النَّهَرُ يَجْرِي مِنْ دَاخِلِ الْجَنَّتَيْنِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نَهَراً بِفَتْحِ الْهَاءِ. وَقَرَأَ أَبُو السَّمَالِ وَالْفَيَّاضُ بْنُ غَزْوَانَ وَطَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِسُكُونِ الْهَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَجَمَاعَةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: ثَمَرٌ وَبِثُمُرِهِ بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ جَمْعُ ثِمَارٍ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِإِسْكَانِ الْمِيمِ فِيهِمَا تَخْفِيفًا أَوْ جَمْعُ ثَمَرَةٍ كَبَدَنَةٍ وَبُدُنٍ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَجَّاجُ وَعَاصِمٌ وَأَبُو حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ عَنْ رُوَيْسٍ عَنْهُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ ثَمَرٌ بِضَمِّهِمَا وَبِثَمَرِهِ بِفَتْحِهِمَا فِيمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ الثَّمَرُ جَمِيعُ الْمَالِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ النَّابِغَةُ:

مَهْلًا فِدَاءً لَكَ الْأَقْوَامُ كُلُّهُمْ وَمَا أَثَمَرُوا مِنْ مَالٍ وَمِنْ وَلَدِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُرَادُ بِهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ خَاصَّةً. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْأُصُولُ فِيهَا الثَّمَرُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الثَّمَرُ الْمَالُ، فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ إِلَى الْجَنَّتَيْنِ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا، فَكَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ عِمَارَةِ الْجَنَّتَيْنِ. وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ فَلَا إِشْكَالَ أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ حَمْلَ الشَّجَرِ. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ فِي رِوَايَةٍ ثَمَرٌ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَآتَيْنَاهُ ثَمَرًا كَثِيرًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ تَفْسِيرًا.
وَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فَقالَ لِصاحِبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ أَخَاهُ، وَهُوَ يُحاوِرُهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَا الْحَالِ هُوَ الْقَائِلُ أَيْ يُرَاجِعُهُ الْكَلَامَ فِي إِنْكَارِهِ الْبَعْثَ، وَفِي إِشْرَاكِهِ بِاللَّهِ.
وَقِيلَ: هِيَ حَالٌ مِنْ صَاحِبِهِ أَيِ الْمُسْلِمِ كَانَ يُحَاوِرُهُ بِالْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ، وَالظَّاهِرُ كَوْنُ أَفْعَلُ لِلتَّفْضِيلِ وَأَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ لَهُ مَالٌ وَنَفَرٌ وَلَمْ يَكُنْ سُبْرُوتًا كَمَا ذَكَرَ أَهْلُ التَّارِيخِ، وَأَنَّهُ جَاءَ يَسْتَعْطِيهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُهُ قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَداً «١» وَهَذَا عَلَى عَادَةِ الْكُفَّارِ فِي الِافْتِخَارِ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَعِزَّةِ الْعَشِيرَةِ وَالتَّكَبُّرِ وَالِاغْتِرَارِ بِمَا نَالُوهُ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا، وَمَقَالَتُهُ تِلْكَ لِصَاحِبِهِ بِإِزَاءِ مَقَالَةِ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ سَادَاتُ الْعَرَبِ وَأَهْلُ الْوَبَرِ وَالْمَدَرِ، فَنَحِّ عَنَّا سَلْمَانَ وَقُرَنَاءَهُ.
وَعَنَى بِالنَّفَرِ أَنْصَارَهُ وَحَشَمَهُ. وَقِيلَ: أَوْلَادًا ذُكُورًا لِأَنَّهُمْ يَنْفِرُونَ مَعَهُ دُونَ الْإِنَاثِ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخَاهُ بِقَوْلِهِ: وَأَعَزُّ نَفَراً إِذْ لَوْ كَانَ أَخَاهُ لَكَانَ نَفَرُهُ وَعَشِيرَتُهُ نَفَرَ أَخِيهِ وَعَشِيرَتَهُ، وَعَلَى التَّفْسِيرَيْنِ السَّابِقَيْنِ لَا يَرِدُ هَذَا. أَمَّا مَنْ فَسَّرَ النَّفَرَ بِالْعَشِيرَةِ التي هي
(١) سورة الكهف: ١٨/ ٣٩.


الصفحة التالية
Icon