وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فَخَرَجَ عَمَّا أَمَرَهُ رَبُّهُ بِهِ مِنَ السُّجُودِ. قَالَ رُؤْبَةُ:
يَهْوِينَ فِي نَجْدٍ وَغَوْرًا غَائِرَا | فَوَاسِقًا عَنْ قَصْدِهَا حَوَائِرَا |
وقيل لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: أَلَكَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ».
وَسَمَّى الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْلِيسَ جَمَاعَةً اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرُوا كَيْفِيَّاتٍ فِي وَطْئِهِ وَإِنْسَالِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِإِبْلِيسَ وَلَدٌ وَإِنَّمَا الشَّيَاطِينُ هُمُ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ عَلَى بُلُوغِ مَقَاصِدِهِ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ أَيْ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا مِنَ اللَّهِ إِبْلِيسُ وَذُرِّيَّتُهُ وَقَالَ لِلظَّالِمِينَ لِأَنَّهُمُ اعْتَاضُوا مِنَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ وَجَعَلُوا مَكَانَ وِلَايَتِهِمْ إِبْلِيسَ وذريته، وهذا نفس الظالم لِأَنَّهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غيره مَوْضِعِهِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَا أَشْهَدْتُهُمْ بِتَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ والسبختياني وَعَوْنٌ الْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ مِقْسَمٍ: مَا أَشْهَدْنَاهُمْ بِنُونِ الْعَظَمَةِ، وَالظَّاهِرُ عَوْدُ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي أَشْهَدْتُهُمْ عَلَى إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ أَيْ لَمْ أُشَاوِرْهُمْ فِي خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ بَلْ خَلَقْتُهُمْ عَلَى مَا أَرَدْتُ، وَلِهَذَا قَالَ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَعْنِي إِنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ شُرَكَاءَ لِي فِي الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا كَانُوا يَكُونُونَ شُرَكَاءَ فِيهَا لَوْ كَانُوا شُرَكَاءَ فِي الْإِلَهِيَّةِ فَنَفَى مُشَارَكَتَهُمْ فِي الْإِلَهِيَّةِ بِقَوْلِهِ: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا أَعْتَضِدُ بِهِمْ فِي خَلْقِهَا وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ أَيْ وَلَا أَشْهَدْتُ بَعْضَهُمْ خَلْقَ بَعْضٍ كَقَوْلِهِ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ «١» وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَهُمْ أَعْوَانًا فَوَضَعَ الْمُضِلِّينَ موضع
(١) سورة النساء: ٤/ ٢٩.