وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ شُرَكائِيَ مَمْدُودًا مُضَافًا لِلْيَاءِ، وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ مَكَّةَ مَقْصُورًا مُضَافًا لَهَا أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ انْتِصَابُ بَيْنَهُمْ عَلَى الظَّرْفِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْبَيْنُ هُنَا الْوَصْلُ أي وَجَعَلْنا نواصلهم فِي الدُّنْيَا هَلَاكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَفْعُولًا أَوَّلَ لِجَعَلْنَا، وَعَلَى الظَّرْفِ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: الْمَوْبِقُ الْمَهْلِكُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: جَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مَا يُوبِقُهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَمُجَاهِدٌ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَجْرِي بِدَمٍ وَصَدِيدٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: عَدَاوَةً. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ:
إِنَّهُ الْمَجْلِسُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمَوْعِدُ.
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ هِيَ رُؤْيَةُ عَيْنٍ أَيْ عَايَنُوهَا، وَالظَّنُّ هُنَا قِيلَ: عَلَى مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ تَرْجِيحَ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ. وَكَوْنُهُمْ لَمْ يَجْزِمُوا بِدُخُولِهَا رَجَاءً وَطَمَعًا فِي رَحْمَةِ اللَّهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَى فَظَنُّوا أَيْقَنُوا قَالَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَمَعْنَى مُواقِعُوها مُخَالِطُوهَا وَاقِعُونَ فِيهَا كَقَوْلِهِ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ «١» الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ «٢». وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَطْلَقَ النَّاسُ أَنَّ الظَّنَّ هُنَا بِمَعْنَى التَّيَقُّنِ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ ظَنُّوا أَيْقَنُوا لَكَانَ الْكَلَامُ مُتَّسِقًا عَلَى مُبَالَغَةٍ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْعِبَارَةَ بِالظَّنِّ لَا تَجِيءُ أَبَدًا فِي مَوْضِعِ يَقِينٍ تَامٍّ قد ناله الحسن بَلْ أَعْظَمُ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَجِيءَ فِي مَوْضِعِ عِلْمٍ مُتَحَقِّقٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الْمَظْنُونُ وَإِلَّا فَمَنْ يَقَعُ وَيُحَسُّ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْعِبَارَةُ عَنْهُ بِالظَّنِّ.
وَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَأَمَّلْ قَوْلَ دُرَيْدُ:
فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ انْتَهَى. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ مُلَاقُوهَا مَكَانَ مُواقِعُوها وَقَرَأَهُ كَذَلِكَ الْأَعْمَشُ وَابْنُ غَزْوَانَ عَنْ طَلْحَةَ، وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِمُخَالَفَةِ سَوَادِ الْمُصْحَفِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ قَرَأَ مُلَافُّوهَا بِالْفَاءِ مُشَدَّدَةً مِنْ لَفَفْتُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْكَافِرَ لَيَرَى جَهَنَّمَ وَيَظُنُّ أَنَّهَا مُوَاقِعَتُهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً».
وَمَعْنَى مَصْرِفاً مَعْدِلًا وَمَرَاعًا. وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي كبير الهذلي:

أزهير مل عَنْ شَيْبَةَ مِنْ مَصْرِفِ أَمْ لَا خُلُودَ لِبَاذِلٍ مُتَكَلِّفِ
وَأَجَازَ أَبُو مُعَاذٍ مَصْرِفاً بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهِيَ قِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ جَعَلَهُ مَصْدَرًا كَالْمَضْرَبِ لِأَنَّ مُضَارِعَهُ يَصْرِفُ عَلَى يَفْعِلُ كيصرف.
(١) سورة التوبة: ٩/ ١١٨.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٤٦.


الصفحة التالية
Icon