الْوَجْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً حَالًا وَمَفْعُولًا لَهُ لِمَنْ يَخْشى لمن يؤول أَمْرُهُ إِلَى الْخَشْيَةِ انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنًى مُتَكَلَّفٌ بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ وَكَوْنُ إِلَّا تَذْكِرَةً بَدَلٌ مِنْ مَحَلِّ لِتَشْقى هُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: هَذَا وَجْهٌ بَعِيدٌ وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّذْكِرَةَ لَيْسَتْ بِشَقَاءٍ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً بَدَلًا مِنَ الْقُرْآنَ وَيَكُونَ الْقُرْآنَ هُوَ التَّذْكِرَةِ وَأَجَازَ هُوَ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا أَيْ لَكِنْ ذَكَّرْنَا بِهِ تَذْكِرَةً. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ لِأَنْزَلْنَا الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَهُوَ لِتَشْقى وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ انْتَهَى. وَالْخَشْيَةُ بَاعِثَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَانْتَصَبَ تَنْزِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ نُزِّلَ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي نَصْبِ تَنْزِيلًا وُجُوهٌ أن يكون بدلا من تَذْكِرَةً إِذَا جُعِلَ حَالًا لَا إِذَا كَانَ مَفْعُولًا لَهُ، لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعَلَّلُ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُنْصَبَ بِنَزَلَ مُضْمَرًا، وَأَنْ يُنْصَبَ بِأَنْزَلْنَا لِأَنَّ مَعْنَى مَا أَنْزَلْنَا إِلَّا تَذْكِرَةً أَنْزَلْنَاهُ تَذْكِرَةً، وَأَنْ يُنْصَبَ عَلَى الْمَدْحِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَأَنْ يُنْصَبَ بِيَخْشَى مَفْعُولًا بِهِ أَيْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى تَنْزِيلَ اللَّهِ وَهُوَ مَعْنًى حَسَنٌ وَإِعْرَابٌ بَيِّنٌ انْتَهَى. وَالْأَحْسَنُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزَلَ مُضْمَرَةً. وَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ نَصْبِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مُتَكَلَّفٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ جَعْلُ تَذْكِرَةً وتَنْزِيلًا حَالَيْنِ وَهُمَا مَصْدَرَانِ، وَجَعْلُ الْمَصْدَرِ حَالًا لَا يَنْقَاسُ، وَأَيْضًا فَمَدْلُولُ تَذْكِرَةً لَيْسَ مَدْلُولَ تَنْزِيلًا وَلَا تَنْزِيلًا بَعْضُ تَذْكِرَةً فَإِنْ كَانَ بَدَلًا فَيَكُونُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الثَّانِي مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ التَّنْزِيلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّذْكِرَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعْنَى مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا تَذْكِرَةً أَنْزَلْنَاهُ تَذْكِرَةً فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَصْرِ يُفَوَّتُ فِي قَوْلِهِ أَنْزَلْنَاهُ تَذْكِرَةً، وَأَمَّا نَصْبُهُ عَلَى الْمَدْحِ فَبَعِيدٌ، وَأَمَّا نَصْبُهُ بِمَنْ يَخْشَى فَفِي غَايَةِ الْبُعْدِ لِأَنَّ يَخْشَى رَأْسُ آيَةٍ وَفَاصِلٌ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ تَنْزِيلٌ مَفْعُولًا بِيَخْشَى وَقَوْلُهُ فِيهِ وَهُوَ مَعْنًى حَسَنٌ وَإِعْرَابٌ بَيِّنٌ عُجْمَةٌ وَبُعْدٌ عَنْ إِدْرَاكِ الْفَصَاحَةِ.
وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ تَنْزِيلٌ رَفْعًا عَلَى إِضْمَارِ هُوَ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَدُلُّ عَلَى عدم تعلق يخشى بتنزيل وَأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ مِمَّا قَبْلَهُ فَنَصْبُهُ عَلَى إِضْمَارٍ نُزِّلَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمِنَ الظَّاهِرِ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِتَنْزِيلٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. وَفِي قَوْلِهِ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْخِيمٌ وَتَعْظِيمٌ لِشَأْنِ الْقُرْآنِ إِذْ هُوَ مَنْسُوبٌ تَنْزِيلُهُ إِلَى مَنْ هَذِهِ أَفْعَالُهُ وَصِفَاتُهُ، وَتَحْقِيرٌ لِمَعْبُودَاتِهِمْ وَتَعْرِيضٌ لِلنُّفُوسِ عَلَى الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ وَكَانَ فِي قَوْلِهِ مِمَّنْ خَلَقَ الْتِفَاتٌ إِذْ فِيهَا الْخُرُوجُ مِنْ ضَمِيرِ التَّكَلُّمِ وَهُوَ فِي مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَى الْغَيْبَةِ وَفِيهِ عَادَةُ التَّفَنُّنِ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ مِمَّا


الصفحة التالية
Icon