إِرَادَتِي إِخْفَاءَهَا، وَلَوْلَا مَا فِي الْإِخْبَارِ بِإِتْيَانِهَا مَعَ تَعْمِيَةِ وَقْتِهَا مِنَ اللُّطْفِ لَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَكادُ أُخْفِيها مِنْ نَفْسِي وَلَا دَلِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ، وَمَحْذُوفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مطرح. والذي غزهم مِنْهُ أَنَّ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ أَكادُ أُخْفِيها مِنْ نَفْسِي وَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ أَكادُ أُخْفِيها مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ أُظْهِرُكُمْ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَرُوِيَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا عَنْ أُبَيٍّ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ خَالَوَيْهِ. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ أَكادُ أُخْفِيها مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ يَعْلَمُهَا مَخْلُوقٌ. وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ وَكَيْفَ أُظْهِرُهَا لَكُمْ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا بَالَغَ فِي كِتْمَانِ الشَّيْءِ قَالَ: كِدْتُ أُخْفِيهِ مِنْ نَفْسِي، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ مَعْنَاهُ قُطْرُبٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

أَيَّامَ تَصْحَبُنِي هِنْدٌ وَأُخْبِرُهَا مَا كِدْتُ أَكْتُمُهُ عَنِّي مِنَ الْخَبَرِ
وَكَيْفَ يَكْتُمُ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ نَحْوِ هَذَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالَهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَالضَّمِيرُ فِي أُخْفِيها عَائِدٌ عَلَى السَّاعَةَ والسَّاعَةَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَالسَّعْيُ هُنَا الْعَمَلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَنْها وبِها عَائِدٌ عَلَى السَّاعَةِ. وَقِيلَ: عَلَى الصَّلَاةِ. وَقِيلَ عَنْها عن الصلاة وبِها أَيْ بِالسَّاعَةِ، وَأَبْعَدَ جِدًّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَنْها يَعُودُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كلمة لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِطَابَ فِي فَلا يَصُدَّنَّكَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الشَّيْءِ إِمْكَانُ وُقُوعِهِ مِمَّنْ سَبَقَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَفْظًا وَلِلسَّامِعِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفْظًا وَلِأُمَّتِهِ مَعْنًى.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الْعِبَارَةُ أَنْهَى مَنْ لَا يُؤْمِنُ عَنْ صَدِّ مُوسَى، وَالْمَقْصُودُ نَهْيُ مُوسَى عَنِ التَّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ أَوْ أَمْرِهِ بِالتَّصْدِيقِ؟ قُلْتُ: فِيهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَدَّ الْكَافِرِ عَنِ التَّصْدِيقِ بِهَا سَبَبٌ لِلتَّكْذِيبِ، فَذَكَرَ السَّبَبَ لِيَدُلَّ عَلَى الْمُسَبَّبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ صَدَّ الْكَافِرِ مُسَبَّبٌ عَنْ رَخَاوَةِ الرَّجُلِ فِي الدِّينِ وَلِينِ شَكِيمَتِهِ، فَذَكَرَ الْمُسَبَّبَ لِيَدُلَّ عَلَى السَّبَبِ كَقَوْلِهِمْ لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا. الْمُرَادُ نَهْيُهُ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ وَالْكَوْنُ بِحَضْرَتِهِ وَذَلِكَ سَبَبُ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ، فَكَانَ ذِكْرُ الْمُسَبَّبِ دَلِيلًا عَلَى السَّبَبِ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَكُنْ شَدِيدَ الشَّكِيمَةِ صَلْبَ الْمُعْجَمِ حَتَّى لَا يَتَلَوَّحَ مِنْكَ لِمَنْ يَكْفُرُ بِالْبَعْثِ أَنَّهُ يَطْمَعُ فِي صَدِّكَ عَمَّا أَنْتَ


الصفحة التالية
Icon