وَعَنْ سُفْيَانَ مَكَارِمُ أَخْلَاقِكُمْ وَمَحَاسِنُ أَعْمَالِكُمْ. وَقِيلَ: تَذْكِرَةٌ لِتَحْذَرُوا مَا لَا يَحِلُّ وَتَرْغَبُوا فِيمَا يَجِبُ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْآيَاتِ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ ذِكْرُ مَشَانِئِكُمْ وَمَثَالِبِكُمْ وما عاملتم بِهِ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالْعِنَادِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ ذَمًّا لَهُمْ وَلَيْسَتْ مِنْ تَعْدَادِ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ عَلَى سِيَاقِهِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ إِنْكَارًا عليهم على إهمالهم المتدبر وَالتَّفَكُّرَ الْمُؤَدِّيَيْنِ إِلَى اقْتِضَاءِ الْغَفْلَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِيهِ شَرَفَكُمْ وَذِكْرَكُمْ آخِرَ الدَّهْرِ كما نذكر عظام الْأُمُورِ، وَفِي هَذَا تَحْرِيضٌ ثُمَّ أَكَّدَ التَّحْرِيضَ بِقَوْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ وَحَرَّكَهُمْ بِذَلِكَ إِلَى النَّظَرِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ نَحْوَهُ قَالَ: ذِكْرُكُمْ شَرَفُكُمْ وَصِيتُكُمْ كَمَا قَالَ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ «١» أَوْ مَوْعِظَتِكُمْ أَوْ فِيهِ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ الَّتِي كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ بِهَا الثَّنَاءَ، وَحُسْنُ الذِّكْرِ كَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالسَّخَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ. فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ.
لَمَّا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَا قَالُوهُ بَالَغَ تَعَالَى فِي زَجْرِهِمْ بِذِكْرِ مَا أَهْلَكَ مِنَ الْقُرَى، فَقَالَ: وَكَمْ قَصَمْنا وَالْمُرَادُ أَهْلُهَا إِذْ لَا تُوصَفُ الْقَرْيَةُ بِالظُّلْمِ كَقَوْلِهِ مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها «٢» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِنْشَاءُ إِيجَادُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أنشأه فنشأ وهو ناشىء وَالْجَمْعُ نُشَّاءٌ كَخَدَمٍ، وَالْقَصْمُ أَفْظَعُ الْكَسْرِ عَبَّرَ بِهِ عَنِ الْإِهْلَاكِ الشَّدِيدِ وَكَمْ تَقْتَضِي التَّكْثِيرَ، فَالْمَعْنَى كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَهْلَكْنَا إِهْلَاكًا شَدِيدًا مُبَالَغًا فِيهِ. وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا حَضُورَاءُ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ، وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ أَنَّهُمَا قَرْيَتَانِ بِالْيَمَنِ بَطَرَ أَهْلُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فِي الْقَرْيَةِ، لِأَنَّ كَمْ تَقْتَضِي التَّكْثِيرَ.
وَمِنْ حَدِيثِ أَهْلِ حَضُورَاءَ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا فَقَتَلُوهُ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتُ نَصَّرَ كما

(١) سورة الزخرف: ٤٣/ ٤٤.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٧٥.


الصفحة التالية
Icon