وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ.
هَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ لِمَنِ ادَّعَى مَعَ اللَّهِ آلِهَةً، وَدَلَالَةٌ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنِ الشَّرِيكِ، وَتَوْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ، وَرَدٌّ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِلَهَ الْقَادِرَ عَلَى هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُتَصَرِّفَ فِيهَا التَّصَرُّفَ الْعَجِيبَ، كَيْفَ يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ عِبَادَتِهِ إِلَى عِبَادَةِ حَجَرٍ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَالرُّؤْيَةُ هُنَا مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ. وَقِيلَ: مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ وَذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الرَّتْقِ وَالْفَتْقِ. وقرأ ابن كثير وحميد وَابْنُ مُحَيْصِنٍ أَلَمْ يَرَ بِغَيْرِ وَاوِ الْعَطْفِ وَالْجُمْهُورُ أَوَلَمْ بِالْوَاوِ. كانَتا قَالَ الزجاج: السموات جَمْعٌ أُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدُ، وَلِهَذَا قَالَ كانَتا رَتْقاً لِأَنَّهُ أَرَادَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَمِنْهُ أَنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السموات وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا جَعَلَ السموات نَوْعًا وَالْأَرَضِينَ نَوْعًا، فَأَخْبَرَ عَنِ النَّوْعَيْنِ كَمَا أَخْبَرَ عَنِ اثْنَيْنِ كَمَا تَقُولُ:
أَصْلَحْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَمَرَّ بِنَا غَنَمَانِ أَسْوَدَانِ لِقَطِيعَيْ غَنَمٍ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: قَالَ كانَتا رَتْقاً والسموات جَمْعٌ لِأَنَّهُ أَرَادَ الصِّنْفَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ:
إِنَّ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ كِلَاهُمَا | يُوَفِّي الْمَحَارِمَ يَرْقُبَانِ سَوَادِي |
لَقَاحَانِ سَوْدَاوَانِ إِنْ أَرَادَ جَمَاعَتَانِ فَعَلَ فِي الْمُضْمَرِ مَا فُعِلَ فِي الْمُظْهَرِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَقَالَ كانَتا مِنْ حَيْثُ هُمَا نَوْعَانِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ شُيَيْمٍ:
أَلَمْ يُحْزِنْكَ أَنَّ جِبَالَ قَيْسٍ | وَتَغْلِبَ قَدْ تَبَايَنَتِ انْقِطَاعًا |