الْأَدِلَّةَ وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهَا وَيَتْرُكُوا طَرِيقَةَ الشِّرْكِ، وَأَطْلَقَ الْإِيمَانَ عَلَى سَبَبِهِ وَقَدِ انْتَظَمَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلَيْنِ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَهِيَ مِنَ الْأَدِلَّةِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلًا آخَرَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْأَرْضِيَّةِ فَقَالَ: وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ نَظِيرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا وَهَذَا دَلِيلٌ رَابِعٌ مِنَ الدَّلَائِلِ الْأَرْضِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي فِيها عَائِدٌ عَلَى الْأَرْضِ. وَقِيلَ يَعُودُ عَلَى الرَّوَاسِي، وَجَاءَ هُنَا تَقْدِيمُ فِجاجاً عَلَى قَوْلِهِ سُبُلًا وَفِي سُورَةِ نُوحٍ لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً «١». فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهِيَ يَعْنِي فِجاجاً صِفَةٌ وَلَكِنْ جُعِلَتْ حَالًا كَقَوْلِهِ:
لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ يَعْنِي أَنَّهَا حَالٌ مِنْ سُبُلٍ وَهِيَ نَكِرَةٌ، فَلَوْ تَأَخَّرَ فِجاجاً لَكَانَ صِفَةً كَمَا فِي تِلْكَ الْآيَةِ وَلَكِنْ تَقَدَّمَ فَانْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؟ قُلْتُ:
وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا إِعْلَامٌ بِأَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا طُرُقًا وَاسِعَةً، وَالثَّانِي بِأَنَّهُ حِينَ خَلَقَهَا خَلَقَهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَهُوَ بَيَانٌ لِمَا أُبْهِمَ ثَمَّةَ انْتَهَى. يَعْنِي بِالْإِبْهَامِ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ مُتَّصِفًا بِهِ حَالَةَ الْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ قِيَامَهُ بِهِ حَالَةَ الْإِخْبَارِ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ:
مَرَرْتُ بِوَحْشِيٍّ الْقَاتِلِ حَمْزَةَ، فَحَالَةُ الْمُرُورِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِهِ قَتْلُ حَمْزَةَ، وَأَمَّا الْحَالُ فَهِيَ هَيْئَةُ مَا تُخْبِرُ عَنْهُ حَالَةَ الْإِخْبَارِ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ فِي مَسَالِكِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ. وَمَا رُفِعَ وَسُمِكَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ سَقْفٌ. قَالَ قَتَادَةُ: حِفْظٌ مِنَ الْبِلَى وَالتَّغَيُّرِ عَلَى طُولِ الدَّهْرِ. وَقِيلَ: حِفْظٌ مِنَ السُّقُوطِ لِإِمْسَاكِهِ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ وَلَا عِمَادٍ. وَقِيلَ: حِفْظٌ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
حِفْظٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ بِالرُّجُومِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «إِنَّ السَّمَاءَ سَقْفٌ مَرْفُوعٌ وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي السَّهْمُ مَحْفُوظًا مِنَ الشَّيَاطِينِ»
وَإِذَا صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ كَانَ نَصًّا فِي مَعْنَى الْآيَةِ.
وَهُمْ عَنْ آياتِها أَيْ عَنْ مَا وَضَعَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْعِبَرِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَسَائِرِ النَّيِّرَاتِ وَمَسَايِرِهَا وَطُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا عَلَى الْحِسَابِ الْقَوِيمِ وَالتَّرْتِيبِ الْعَجِيبِ الدَّالِّ عَلَى الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَالْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ عَنْ آياتِها بِالْجَمْعِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيدٌ عَنْ آيَتِهَا بِالْإِفْرَادِ، فَيَجُوزُ أَنَّهُ جَعَلَ الْجَعْلَ أَوِ السَّقْفَ أَوِ الْخَلْقَ أَيْ خَلْقَ السماء آية واحدة

(١) سورة نوح: ٧١/ ٢٠.


الصفحة التالية
Icon